سيدي العربي شرقاوي، من أشد المعجبين برسوم الفنان الياباني الراحل أوسامو تيزوكا من خمسينات القرن العشرين وستيناته، وهو صاحب الرسوم التي تروي، في شكل يتأرجح بين السخرية والدراما، مصائب البشرية، خصوصاً الحروب وكوارثها، ككارثة هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية. وكان شرقاوي استوحى، عام 2007 من أحد كتب تيزوكا، ليروي سيرة بوذا في استعراض ضخم عرف رواجاً وطاف أكبر العواصم العالمية، الأمر الذي دفع أرملة الرسام وأولاده إلى الاتصال بشرقاوي ليطرحوا عليه فكرة تحويل قصة حياة تيزوكا إلى عمل استعراضي أيضاً، وذلك بمساعدة العائلة ومن دون أن يسدد أي حقوق. وافق شرقاوي على الفكرة بلا تردد. ولأنه عثر في هذا العرض المغري على فرصة استثنائية ليعبّر بفنه هو عن إعجابه بعمل الرسام الياباني، راح يجمع العناصر الضرورية من راقصين وموسيقى وأفكار تنفيذية كي يرى هذا المشروع النور. يقدم الشرقاوي، في مسرح «لا فيليت» الباريسي، استعراض «تيزوكا» المدهش الذي يجمع بين سيرة الرسام الراحل وأبرز أعماله، علماً أن صاحب العرض حوّل أفراد فرقته الراقصة إلى شخصيات مستمدة مباشرة من كتب ورسومات تيزوكا، كما أتى إلى الحلبة بمصارعين وخبراء في الألعاب الرياضية الآسيوية، إضافة إلى خطّاطين حوّلوا الخشبة المسرحية إلى لوحة يتسنى الرسم فوقها بالريشة والقلم من ناحية، وبأجساد الراقصين من ناحية ثانية. وتبدو النتيجة في كل سهرة على مستوى رفيع جداً من الفن في أشكاله وألوانه المتنوعة. شرقاوي من أصل مغربي، مولود في بلجيكا عام 1976 لأب أتى من بلده إلى أوروبا في الستينات، ولأم بلجيكية. يحترف الرقص على أنواعه، الكلاسيكية والحديثة، وبدأ يتعلم هذا الفن وهو في السادسة عشرة من عمره، بينما تتباهى غالبية زملائه عادة باحتراف الرقص وهم بعد في الحضانة. واستطاع شرقاوي أن يتحول في أقل من عشر سنوات إلى أحد أكبر نجوم الرقص الاستعراضي في أوروبا والولايات المتحدة وكندا. والمثير لدى شرقاوي أنه لا يكتفي بالرقص، كما أي مخرج باليه عادي، بل يدفع بأفراد فرقته إلى المزج المستمر بين هذا النشاط والتمثيل والغناء. وبالتالي، إذا كان الاستعراض مقدماً رسمياً على أنه راقص، فالجمهور يعلم جيداً أنه سيستمتع بمشاهدة عمل مسرحي متكامل لفنانين متعددي المواهب لا يترددون، تحت إدارة شرقاوي، في إدخال الكوميديا والدراما إلى العرض، وهذا نادراً ما يتوافر في الاستعراضات الراقصة. أما الموسيقى التي يرقص على أنغامها شرقاوي وأفراد فرقته، فهي مزيج من الغربي والآسيوي والعربي، ما يمنحها الطابع «العالمي» الذي يرغب فيه شرقاوي بشدة. وأبدت عائلة تيزوكا إعجابها الشديد بالاستعراض الذي نجح شرقاوي في تنفيذه في باريس مستلهماً حياة الرسام الياباني وأعماله، وعرضت عليه تنظيم جولة يابانية للعرض، الخريف المقبل، وفي قاعات ضخمة لا شك في أنها ستعلن مقاعدها «مباعة بالكامل»، كل ليلة، نظراً إلى شعبية تيزوكا هناك. لكن، قبل ذلك، ستجول فرقة شرقاوي عواصم أوروبية ومدناً أميركية وكندية كبرى، وربما مدناً عربية أيضاً إذا أبدت هيئات مسرحية استعدادها لاستقبال فنان يجمع سحر الشرق وحرفية الغرب.