تجمهر آلاف من العرب والكنديين في قاعة مسرح «ساحة الفنون» في مونتريال، ليتابعوا عرض الفنان سيدي العربي شرقاوي الراقص «برج بابل» الذي تستضيفه مؤسسة «دانس دانس» في إطار المهرجان العالمي للرقص المستمر حتى أواخر نيسان (ابريل) الجاري. سَحَر شرقاوي وفرقته الجمهور شرقاوي بدا سيد المسرح حيث قدم كل ما يملك من مهارة وكفاءة فنيتين. فأدهش الحضور بخفة حركاته البهلوانية وليونة جسده المطاطي وشدة مرونته وقدرته على التلاعب به وجعله لوحة فنية تزخر بالرسوم والأشكال والإشارات والرموز التعبيرية. ويبدو أن شرقاوي انتهج أسلوباً جديداً تطغى فيه حركة الجسد على ما عداها من عبارات وكلمات وجعل الرقص في خدمة الفن، والجسد في خدمة اللغة، يحمل كل منهما رسالة للتعبير عن فكرة أو موقف إنساني ما جعل «استعراضاته الراقصة في شكلها ومضمونها حركة عابرة للحدود تفعل وتؤثر وتحرك مشاعر البشر على اختلاف انتماءاتهم الاتنية والدينية والثقافية». على حد تعبير الناقد المسرحي الكندي روبير نورمان. أما الديكور فحرص الفنان الكندي انتوني غوربلي ان يأتي في تصميمه وأناقته متناسقاً ومتكاملاً مع الأجواء الاستعراضية الراقصة، فقسم المسرح الى هياكل مستطيلة متشابكة بعضها على شكل أبراج وبعضها الآخر يشبه الأقفاص، يتسلل منها الراقصون تارة ويتحركون فيها تارة أخرى، على وقع مزيج من ألحان موسيقية شرقية وغربية تتقاطع مع أصوات غريبة تتردد أصداؤها في أنحاء المسرح. ربما لإثارة الدهشة في أوساط المشاهدين ونقلهم الى عوالم أخرى أو لإضفاء مسحة من الإبداع الفني والتقني. رسالة الجسد من السهل أن يستخلص المشاهد من استعراضات شرقاوي المعروفة ب «كلمات بابل» أو «Babel Words»، رسالة الجسد التي تتمحور بجوهرها حول رفض الفوارق الرئيسة في الهويات والثقافات المتعددة والتصدي لمشكلات الهجرة وصعوبات التأقلم للوافدين الى بلدان الاغتراب. فحركات الأصابع على سبيل المثال هي بدلالاتها الرمزية إشارة إلى بعض «الأفكار المسبقة» التي تنظر الى المهاجرين بأنهم مجموعة من الغرباء يرغبون بسلب ثروات غيرهم، وأنهم عبء على أهل البلدان المضيفة. فهو في هذا المنحى فنان ملتزم قضايا الإنسان بعامة والمهاجر بخاصة، لا سيما أانه أخرج وصوّر أفلاماً عن الهجرة وإشكالات التعايش بين الثقافات والهويات المتعددة. ونوهت بأعماله منظمة «يونيسكو» واعتبرته واحداً من الساعين «للحوار بين ثقافات العالم العربي والغرب». يشار إلى أن صحيفة «لو دوفوار» الكندية أشادت بكفاءات شرقاوي وفرقته الفنية التي ستقدم عرضين إضافيين في كيبيك وأوتارا، ووصفته بأنه «يتمتع بقدرات جسدية خارقة وحركات بهلوانية فائقة المرونة، وانه اضفى على المشهد الكندي نكهة جديدة من التسامح والتعايش بين مكوناته الإتنية والثقافية».