بين النتائج الأولى للأزمة الراهنة في سورية، انتقال الأخيرة من لاعب إقليمي يتطلع ويعمل للحصول على حصة في الأهداف المحيطة، إلى هدف إقليمي يتطلع اللاعبون الإقليميون إليه بمن فيهم الهواة منهم للحصول على حصة فيه. ويرتبط هذا التحول السوري بالسياسات التي اتبعها النظام في تعامله مع الأزمة، والتي لم تحل دون استيعاب الأزمة ومعالجة تداعياتها فقط، بل تمخضت عن استجرار تدخلات إقليمية بالمحتويين الإيجابي والسلبي، وقامت بإدخالهما على خط الأزمة، وبالتالي حولت فرقاء إقليميين إلى لاعبين في الملعب السوري. وقد استجابت أطراف في «المعارضة» لشروط الصراع، فدخلت اللعبة، التي هي طرف ضعيف فيها، بل هي أضعف من النظام الضعيف في اللعبة ذاتها. لقد رسمت التوازنات الإقليمية في العقد الأخير صورة العلاقات الإقليمية بين سورية والأهم في دول الإقليم على أساس تقارب سوري مع كل من إيران وتركيا، على رغم ما بين الأخيرتين من اختلاف وتناقض، فيما أخذت علاقات سورية مع المملكة العربية السعودية طابع التقارب الحذر في واحد من نتائج عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، واستمر الطابع التقليدي في الاختلاف والصراع المحدود بين سورية وإسرائيل لا سيما في ظل حرب إسرائيلية على حليفي سورية، حزب الله في لبنان وحركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة في 2006 و2008. غير أن صورة تلك العلاقات اهتزت بعد اندلاع الأزمة السورية في آذار (مارس) 2011، فرسمت تحولات في علاقات سورية مع محيطها، كان الأبرزَ فيها اصطفاف إيراني حاسم إلى جانب النظام وسياساته الأمنية العسكرية وتطبيقاتها في التعامل مع الأزمة وتداعياتها، وتقديمها مساعدات متعددة الأوجه. لكن الأهم في موقف إيران هو إعلان الوقوف إلى جانب دمشق إذا حدث تدخل عسكري فيها نتيجة سياساتها، وهذا عزز مكانة إيران في العلاقة مع النظام. وبخلاف الموقف الإيراني، حدث تحول تركي بعد أن فشلت الجهود التركية لدفع النظام نحو حل سياسي للأزمة عوضاً عن الحل الأمني العسكري، ثم ذهب الموقف التركي إلى الأبعد في تقديمه المساعدة المتعددة الأوجه لبعض أطراف المعارضة السورية، بمن فيها الجيش السوري الحر في إطار ما قرره الأتراك من موقف إلى جانب ثورة السوريين لإسقاط النظام في دمشق، وبالتأكيد فإن ذلك جعل من تركيا لاعباً مهماً ومؤيداً من أطراف في الداخل السوري، ما جعل من تركيا إحدى القوى التي ترسم مسار الوضع في سورية، ويعزز فرص تركيا في التأثير في مستقبل البلد. ووسط موقفي الثبات الإيراني والانقلاب التركي في العلاقة مع سورية، جاء الموقف السعودي، منسجماً مع خط السياسة التقليدية التي درجت عليها الرياض في علاقاتها الخارجية. إذ هي أعلنت وقوفها ضد الحل الأمني العسكري للأزمة وانحيازها لثورة السوريين بعد أن فشلت في دفع النظام في دمشق للقيام بمعالجة سياسية تخرج سورية من أزمتها. وقد تبنّت السعودية خط دعم للمعارضة السورية متعدد الأوجه بما في ذلك تزويدها بالسلاح. إن الأثر المباشر لمواقف الدول الإقليمية في التأثير في سورية، إنما يكمن في ما تتركه مواقفها في الداخل، وتأثير ذلك في تقوية أو إضعاف أطراف الصراع الداخلية، وما يجره ذلك على مكانتها وقوتها في المحيط الإقليمي والدولي. وإذا كان موقف إيران يعزز موقف النظام في الأزمة ويقويه، فإنه يجد صداه في الأطر السياسية - الاجتماعية المؤيدة للنظام، والتي تتوزع مستندات تأييدها ما بين عوامل سياسية وأخرى اجتماعية وطائفية، والأمر يختلف كثيراً بالنسبة لأطراف داخلية أخرى، حيث يترك الموقف التركي ومثيله السعودي صداه الإيجابي في أوساطها وحواضنها، التي لها ملامح المعارضة السياسية، وتنتمي إلى بنى اجتماعية وطائفية، تشكل البيئات الإسلامية السنّية حاضنتها، ويبرز فيها مقربون إلى الإخوان المسلمين بالنسبة للأقرب إلى تركيا، ومقربون من السلفيين بالنسبة للأقرب إلى منطقة الخليج العربي. إن خطورة الأثر المباشر لمواقف الدول الإقليمية، يكمن في أمرين، الأول أن تأثيراته تتراكب مع تمايزات في التنوع الديموغرافي السوري، المكون من تنويعات قومية ودينية وطائفية، جرى اشتغال على وضعها في مواجهة بعضها بعضاً لوقت طويل، وإقامة حواجز فيما بينها تكرس انقسام السوريين، وهو ما رفضته ثورة السوريين منذ انطلاقتها مؤكدة وحدة السوريين وتضامنهم، والأمر الثاني تشجيع الجميع على اللجوء إلى السلاح، وفي وقت عزز النظام تسليح أنصاره ونظمهم، فإن أنصار المتدخلين الآخرين توجهوا إلى تنظيم وتسليح أنفسهم وأنصارهم، ومن توازي التسليح في الجانبين أخذت تتعزز الصراعات المسلحة، والتي ستؤدي في النهاية وفي ظل غياب فرصة حل سياسي إلى حرب داخلية، لا بد أن تكسب في بعض مظاهرها طابع الحرب الأهلية. * كاتب سوري