انقطعت خطوط الاتصال بالإنترنت في لبنان، خلال أقل من أسبوع، فهذه هي المرة الثانية منذ الاثنين الماضي. ودار سجال بين وزارة الاتصالات اللبنانية وشركة أوجيرو حول أسباب الانقطاع التي بقيت مجهولة حتى الساعة: قيل أن ثمة شركة أجنبية تعمل على صيانة الكابل البحري وقيل أيضاً أنه أصيب بعطل. اليوم أيضاً بقي السؤال عن السبب وجوابه عالقين في تلك الدوامة من التعتيم وتجهيل المواطنين، بما يحمل على الاعتقاد (لا بل التأكيد) بأن الإنترنت أيضاً باتت من ركائز الصراعات والاصطفافات السياسية. والمعطيات لدى "المصطفّين" لائحتها تطول: "الوزير المختص باشر في تطبيق خطة التحسين وهو يعلم أن الشبكة لا تتحمل"... والوزير يتّهم الجهات الأخرى بتعطيل خطته عمداً. والحق أن قطاع الإنترنت حيوي وحساس - وكثيرون من الطرفين يجهلون مدى أهميته ويتجاهلون متطلباته وتداعياته. والوضع مع الإنترنت أشد قسوة على المواطنين، أفراداً ومجموعات ومؤسسات محلية وأجنبية من انقطاع الكهرباء. فإذا كانت مولّدات الكهرباء تنتشل المقيمين في ربوع لبنان من وطأة الظلام والحر والخسائر المادية والمعنوية، وتنقذ المرضى في المستشفيات... لا بدائل تُذكر تعوّض عن انقطاع الإنترنت. كما أنه لا خطط لتعزيز هذا القطاع، فلا خط اتصال أساسياً في لبنان الذي لا يزال يعتمد على الخطوط الأساسية في دول الجوار، مصر وسورية. ولا معايير وضوابط للتواصل عبر روابط المايكرووايف والأقمار الاصطناعية، وغير ذلك... ناهيكم بغلاء أسعار الاتصال والبطء الشديد. انقطاع الإنترنت يشلّ الاتصال والتواصل تماماً، أكانا للترفيه والتسلية أم للعمل وجني الأرزاق. ويعزل لبنان عن بقية العالم... ولو لبعض الوقت. ففي هذه المدة، مهما كانت تافهة، تتعطل الأعمال، وينشلّ عمل الموظفين الذي يُجبرون على استئنافه لأن مهمات اليوم يجب أن تنتهي قبل الغد، ولو تجاوزوا الدوام. ويلحق ضرر انقطاع الإنترنت تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات الذي يضطرون إلى تأجيل بحوثهم حتى وقت متأخر... ويصيب المرافق السياحية التي باتت تضع معلوماتها وسبل التواصل معها على الشبكة. "الحياة" تعاني أيضاً مشقة انقطاع الإنترنت: ينتظر عمال المطبعة، التي تُطبع فيها صفحات "الحياة" بلبنان، وصول المواد عبر الإنترنت. وذكر الموظف المسؤول عن متابعة عملية الطباعة ليلاً أنه منذ الإثنين الماضي وهو ينتقل إلى أمكنة يتوفر فيها خط اتصال بالإنترنت لكي يحمّل منه مواد الصحيفة على ذاكرة فلاش، لينقلها إلى المطبعة، حيث غابت الإنترنت عنها منذ ذلك اليوم. إذا كان انقطاع الإنترنت سيتكرر - ولا شيء يحول دون ذلك سواء أعُرف السبب أم بقي مجهولاً - سيصبح اللبنانيون يمضون أوقاتهم في انتظار كل شيء: حلول الكهرباء والمعيشة وفقد التواصل والعزلة. وستفقد معناها تلك الإعلانات المصوّرة التي تظهر فيها الأم تخاطب أولادها في المهجر عبر جهاز أيباد. وستفسد على الأهل، في الواقع، لهفة الاتصال بأبنائهم. وسيسخر هؤلاء الأولاد من وطنهم. ومن يدري؟ قد يطالبون أهاليهم بالسفر إليهم، لأن تذكرة الطائرة ووقت الرحلة قد تغنيهم عن مشقة الانتظار وفقد الأعصاب. وقد يربى لدى اللبنانيين شغف في انتظار غودو... الذي سيأتي رأفة بهم!