لم تتوصل لجنة الاتصالات النيابية التي اجتمعت أمس على خلفية ما حصل في مبنى «الاتصالات» في العدلية الأسبوع الماضي في خصوص شبكة الاتصالات المقدمة هبة من الصين الى لبنان الى أي نتيجة إذ قُدِّم اقتراح بتشكيل لجنة للتحقيق في ما حدث وجرى نقاش مستفيض دام خمس ساعات ونصف الساعة، لكن وقع الاختلاف حول صلاحية من يعيّن العضو من هيئة «أوجيرو» في اللجنة. فوزير الاتصالات شربل نحاس اعتبر الأمر من صلاحياته ولم يؤخذ قرار بتشكيل هذه اللجنة لحصول اختلاف على هذه النقطة». وكان قُدِّم اقتراح بتشكيل لجنة فنية من الهيئة الناظمة للاتصالات و «أوجيرو» فتمسك نواب 14 آذار برئيس هيئة «أوجيرو» عبدالمنعم يوسف، فرفض الوزير نحاس وسقط الاقتراح. ثم قُدِّم اقتراح ثانٍ يتعلق بإحالة الخلاف حول القانون والصلاحيات الى هيئة الاستشارات في وزارة العدل فرفضه نحاس أيضاً وقال: «إن القوانين واضحة وأنا على حق وهذه من صلاحياتي» فسقط أيضاً. وتمحورت النقاشات حول نقطتين، الأولى صلاحيات وزارة الاتصالات وسلطتها على «أوجيرو» وما قام به يوسف، والشق الثاني هو شق أمني وما قام به فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وتطور سجال بين النائبين إميل رحمة وأحمد فتفت ليأخذ طابع الحدة حول تحديد المسؤوليات بين فرع المعلومات ووزارة الاتصالات من الناحية القانونية. واتهم نواب 8 آذار «أوجيرو» بمخالفة القوانين متسائلين: «لمصلحة من تعمل؟» فيما اعتبر نواب 14 آذار أن قوى الأمن الداخلي ومديرها العام اللواء أشرف لم يخالفوا القانون ويحق لريفي ان يعترض على قرار وزير الداخلية وعلى الوزير أن يعيد تأكيد قراره وهذا ما لم يفعله الوزير بارود. مؤكدين أن «تصرف هيئة أوجيرو واللواء ريفي كان قانونياً وأن الأزمة اختلقها الوزير نحاس الذي طلب أمراً يحتاج الى مجلس الوزراء مجتمعاً. خصوصاً ان وزارة الاتصالات كانت عرضت موضوع الهبة الصينية على مجلس الوزراء وتم تكليف هيئة «أوجيرو» تسلم المعدات وتركيبها وتشغيلها. وبالتالي فإن الوزير نحاس كان على علم بالشبكة وهي ليست جديدة». وتركت اللجنة معالجة الجانب القانوني والقضائي للمشكلة الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ووزير الداخلية والبلديات زياد بارود. ووصف نواب ل «الحياة «ما يحصل بالقول: «إننا أمام كارثة دستورية، والكل ينطلق في نقاشاته من خلفية سياسية للدفاع عن مواقف سياسية وهذا يؤدي إلى الانقسام حول الصلاحيات». ولعل ما يختصر مشهد النقاش الذي دار داخل الجلسة وصف النائب نهاد المشنوق ما حصل ل «الحياة» بقوله: «إنها حرب طواحين في الهواء»، وزاد: «الكل شرح وجهة نظره وخبط على الطاولة كوسيلة تعبير وكل ذلك في غير محله إذ إن لجنة الاتصالات غير مخولة إصدار أحكام». وأعلن رئيس اللجنة حسن فضل الله أن «هذا الموضوع هو تقني علمي لا سياسي وسيبقى في المجلس النيابي وسنتشاور مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري حوله»، مشيراً إلى أن المطلوب أن نعرف حقيقة هذه الشبكة الثالثة وهل تُشغل ولحساب من ومن المسؤول عنها؟» وكشف أن «هناك نواباً طرحوا إعادة النظر ببعض الصلاحيات وهذا أمر خطير». وشدد على أن «لم يعد مقبولاً أن يتصرف كل شخص على هواه وكأن لا رقيب ولا حسيب»، معتبراً أن «من غير المقبول أن يكون أحد فاتحاً على حسابه». وأعلن أن النواب خلال الجلسة «ناقشوا كل الأبعاد المتعلقة بهذه القضية وهناك مسار قانوني قضائي يتعلق بالأجهزة الأمنية وهذا الأمر يُتابع ولم يتم الغوص بالبعد القانوني القضائي»، مشيراً في ما يتعلق بمبنى الاتصالات وما جرى على صعيد قرار وزير الداخلية وامتناع مدير عام قوى الأمن الداخلي عن تنفيذه إلى أن «هذا الموضوع يتابعه الرئيس ميشال سليمان والوزير المختص والقانون سيأخذ مجراه». ولفت الى «أننا لم نتوصل الى أجوبة حول شبكة ليبان تيليكوم وإذا كانت تعمل»، وأضاف: «تبين لنا أن هناك محاضر عدة لقرارات مجلس الوزراء عام 2007، قرار يقول إن الشبكة الصينية تعود لوزارة الاتصالات وآخر يقول إنها تعود لهيئة أوجيرو والانقسام قائم». وأشار فضل الله الى ان «مرسوم الحكومة 1055 الصادر عنها التي لم نكن نعترف بشرعيتها يقول قبول هذه الهبة لوزارة الاتصالات لكن هناك رأياً آخر يقول ان المرسوم استند إلى قرار عن مجلس الوزراء وهناك التباس كبير حول كيفية إدارة القضية»، منبهاً من أن «الإخلال بالمواد الدستورية يجعل البلد في حال فوضى». وقال الوزير نحاس: «إننا نتحمّل أوضاعاً تمردية متمادية من بعض الموظفين المحصنين سياسياً والذين لا يتوانون عن توقيف الخدمات اليومية للمواطنين وعن عدم القيام بالأعمال اليومية التي كانوا يقومون بها من طباعة البطاقات وشراء الموديمات، وصولاً الى الابتزاز». وشدد على أن «تصرّف عبدالمنعم يوسف غير قانوني ونتمنى على الجهات السياسية كفّ التدخّل في إدارات الدولة»، لافتاً الى أن «الإدارات ذات الطابع الأمني يجب أن تخضع لقرارات السلطة التنفيذية والسياسية». وأعلن: «قدمّنا شكوى لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في الجريمة الموصوفة في الطابق الثاني». ونفى النائب مروان حمادة حصول مشادة بينه وبين أي من النواب، مؤكداً أنه على عكس ذلك، «ساهم مع رئيس اللجنة ومقررها في تهدئة النقاش وإبقائه ضمن السجال الدستوري والقانوني». وقال ل «الحياة»: «تخللت المناقشات لحظات صاخبة لكنها قليلة جداً»، كاشفاً عن وجود 16 خطاً فقط لا تعمل حالياً تمت تجربتها من قبل المهندسين والهبة تمت وفق مرسوم صادر عن مجلس الوزراء وهو نافذ وفي حوزة أوجيرو التي يحق لها طلب حماية المركز إلى أن يصدر قرار من مجلس الوزراء يغير هذه الجهة»، وقال إن «هذه القضية أخذت في الإعلام منحًى خطراً بات يهدد حتى السلم الأهلي، وإن للمجلس النيابي وللجنة الاتصالات تحديداً الفضل في إعادة الأمور إلى نصابها». وأعلن عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري، بعد الجلسة أن «الشبكة الخليوية الثالثة لم تكن سراً وهناك قانون صادر بها والكل يعرف بها»، مشيراً إلى أن «ليس صحيحاً أن هذه الشبكة جديدة وهناك قرارات حاسمة وواضحة في شأنها». وكشف عن قرار لوزير الاتصالات السابق جبران باسيل بتاريخ 20 نيسان (أبريل) عام 2009 لوضع خدمة مجموعة من الأرقام الخليوية لمصلحة هيئة «أوجيرو» بهدف تسلم الشبكة الصينية وتشغيلها، مشيراً إلى أن الشبكة الثالثة حصلت على موافقة دولية وليس هناك أي شيء جديد يُخترع. ولفت الى وجود رأي واضح لرئيس مجلس شورى الدولة عام 1998 فيما خص صلاحية «أوجيرو». وأشار حوري إلى أن الوزير زياد بارود كان قدم كتاباً طلب فيه معلومات معينة عن شبكة الاتصالات الثالثة. ولفت النائب أحمد فتفت الى وجود قانون لإنشاء «ليبان تلكوم» وجاءت الشبكة الصينية للتحضير له، مشيراً إلى أن هناك 16 خطاً فقط من الشبكة الصينية تم تشغيلها للتجربة واليوم ليس هناك أي خط يعمل». وقال فتفت إن الوزير نحاس أراد إرسال معدات الشبكة الصينية الى شركة MIC 1 اي MTV لكنها عائدة للدولة. أما النائب هادي حبيش فلفت إلى أن الطبقة الثانية من مبنى الاتصالات تحت وصاية «أوجيرو»، معتبراً أن الوزير نحاس لا يفرق بين الوصاية والإمرة، فهو لا يستطيع ممارسة صلاحية الإمرة على «أوجيرو». وأكد النائب زياد القادري أن الشبكة الصينية ليست مخفية بل أتت بناء على مرسوم واضح من مجلس الوزراء، متسائلاً كيف تكون هذه الشبكة غير قانونية واستخدمت موجات هوائية بناء على قرارات من الهيئة الناظمة للاتصالات، مشدداً على أن «أوجيرو» تستخدم الشبكة بناء على القانون. وأعلن الوزير جان أوغاسابيان أنه سيطالب بمحاكمة الوزير نحاس وسيرفع دعوى قضائية بحقه لمخالفته القوانين، معتبراً أنه «وحده يتحمل مسؤولية ما حصل واللعبة أكبر منه». وقال النائب انطوان زهرا: «إذا كان الموضوع أمنياً كما يقولون فلماذا لم يحل الى لجنة الدفاع الوطني والداخلية والأمن. إن الوزير نحاس أعطى خلال الجلسة وصفاً غير دقيق وفيه الكثير من الافتراء، وإذا كان هذا رأيه فلنذهب الى القضاء المختص»، وأضاف: «ثمة انقسام سياسي في البلاد يتمحور حول كل المواضيع الخلافية، هناك مشكلة في الاتصالات فهي تستخدم على حساب وزارة الداخلية، وفرع المعلومات». وقال النائب قاسم هاشم إن النقاش «تعدى جدول الأعمال ليفتح الأمور حول الصلاحيات للتعمية على حقيقة ما جرى، فكان هناك الكثير من التفاصيل والاجتهادات القانونية التي لا تمت بصلة الى صلاحيات أوجيرو، إنما كان المفترض حصر الموضوع شكلاً ومضموناً، بعيداً من القضايا الأمنية بدور أوجيرو وعلاقتها بالوزارة»، مؤكداً أن «الطبقة الثانية من مبنى الاتصالات تخفي الكثير من الأسرار والمعلومات الخطيرة». واعتبر عضو كتلة «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل أنَّ «الجو الذي ساد خلال اجتماع جلسة اللجنة «لا يليق بالنواب والمؤسسات»، مؤكداً أنَّه «إذا بقي الجو كذلك فالبلد ذاهب إلى مزيد من التعطيل والتشنج». ولفت إلى أنَّ «هناك عملية تخلٍّ عن الدستور والقرارت منذ سنوات عدة، والخطأ يبرر بخطأ مقابل»، مشدداً على أنَّ «الأمور لا يمكن أن تستمر هكذا، وإذا بقيت الأمور سائرة فستفقد المؤسسات هيبتها»، وحذر من خطورة ما يحصل. وعلمت «الحياة» أن النائب حمادة قال في مداخلة داخل الجلسة إن الوزير نحاس بتصرفه «يخالف الدستور والقوانين. فالمادة 66 من الدستور صحيح أنها تنيط بالوزير إدارة الوزارة لكنها تنص أيضاً على أن يتم ذلك لتطبيق الأنظمة والقوانين». وأوضح حمادة أن طلب الوزير نحاس تفكيك المعدات التي وهبتها الشركة الصينية «هواوي»، ونزعها من شركة أوجيرو لتسليمها الى شركة «إم. تي. سي» أو شركة «ميك» يتناقض مع عدد من القوانين أهمها القانون 431 الخاص بالاتصالات الذي ينيط ب «أوجيرو» إنشاء شركة «ليبان تيليكوم» من أجل تشغيل الشبكة الثالثة للخليوي والتي خصصت معدات الشركة الصينية لها والتي قبلها مجلس الوزراء بالقرار 146/2007 وكلف «أوجيرو» باستلامها وتركيبها وصيانتها في انتظار نشوء «ليبان تيليكوم»، هذا فضلاً عن أن صلاحية وزير الاتصالات كوزير وصاية على «أوجيرو» التي نص القانون 21/72 على استقلاليتها، تقتصر على دوره في وضع نظامها المالي والإداري عند تأسيسها (وهذا تم) وعلى اقتراح موازنتها وليس أكثر. ورأى حمادة أن التدخل في عمل «أوجيرو» بأكثر من هذه الصلاحيات يكون مخالفاً لكل هذه القوانين وبالتالي للدستور. وجرى سجال بعدها تحدث فيه نحاس ورد عليه النواب أحمد فتفت، عمار حوري، هادي حبيش وزياد القادري، فعددوا القوانين والمراسيم التي خالف الوزير نصوصها. واستند هؤلاء الى أن وزير الاتصالات هو نفسه الذي كان طلب الى مجلس الوزراء اتخاذ قرار بتكليف مؤسسة «أوجيرو» استلام وتركيب معدات الهبة الصينية. واستند هؤلاء الى مستندات منها ما هو موقع من نحاس نفسه، إضافة الى قانون الاتصالات للإشارة الى مخالفة الوزير النصوص في موقفه من «أوجيرو». وقال مصدر في لجنة الاتصالات النيابية ل «الحياة» إن الوزير نحاس عرض نزاعه مع المدير العام للاستثمار والصيانة المشرف على «أوجيرو» في الوزارة، عبدالمنعم يوسف ومما قاله في تبرير طلبه من وزير الداخلية سحب قوى الأمن الداخلي التي كان المدير العام عبدالمنعم يوسف طلب أن تتولى حراسة معدات، أنه تخوف من أن يؤدي وجود عناصر قوى الأمن الى التعرض للسيدات اللواتي يعملن في غرفة التخابر الدولي في الطبقة الثانية من مبنى وزارة الاتصالات.