اتجهت الأزمة الداخلية في أوكرانيا أمس، نحو تصعيد قوي بعد سقوط عشرات الجرحى والمصابين في اليوم الثاني على اندلاع موجة احتجاج واسعة بسبب تبني الهيئة الاشتراعية (الرادا) قانوناً مثيراً للجدل قضى بتوسيع استخدام اللغة الروسية في البلاد. واستعاد الشارع الأوكراني في اليومين الماضيين أجواء «الثورة البرتقالية» التي أطاحت بالسلطة في عام 2004، إذ نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع وقطعوا الطرق الرئيسة الموصلة إلى مبنى البرلمان وقصر الرئاسة احتجاجاً على إقرار قانون اللغات المستخدمة في البلاد. وأسفرت مواجهات استخدمت خلالها قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع والهراوات عن إصابة عشرات الأشخاص بين المتظاهرين. لكن الأجهزة الأمنية أكدت أن بين المصابين عناصر من رجال الشرطة. وقال ناطق أمني أن أنصار المعارضة رشقوا رجال مكافحة الشغب بزجاجات حارقة وبالحجارة. القصر الرئاسي وأشار إلى وقوع مواجهات عنيفة بين الطرفين في عدد من المناطق وسط العاصمة وخصوصاً حول مبنى «البيت الأوكراني» وهو المقر الذي توجه إليه الرئيس فيكتور يانوكوفيتش لعقد مؤتمر صحافي، وسط تدابير أمنية مشددة. وأبلغ شهود «الحياة» عبر اتصال هاتفي أن الوحدات الأمنية طوقت المكان وسعت إلى فتح ثغرة في الطوق البشري للمعارضين لتسهيل عبور الموكب الرئاسي ما أسفر عن زيادة حدة المواجهات. وفي مسعى لمحاصرة الموقف دعا يانوكوفيتش الكتل النيابية إلى فتح نقاش مستفيض حول القانون الجديد والتوصل إلى مخرج للأزمة، لكنه لم يتردد في توجيه إنذار قوي للمعارضة بأنه قد يلجأ إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات اشتراعية مبكرة في حال استمر تدهور الموقف الميداني. استقالة رئيس البرلمان في غضون ذلك أعلن في كييف أمس، أن رئيس البرلمان فلاديمير ليتفين ونائبه نيكولاي تومينكو قدما استقالتهما احتجاجاً على إقرار القانون في القراءة الثانية والأخيرة، «بشكل غير دستوري ومن دون أن يمر بالإجراءات المتبعة» كما قال ليتفين الذي أعلن في وقت سابق رفضه التوقيع على القانون واعتباره لاغياً. وكانت جلسة مناقشة القانون شهدت تحولاً مفاجئاً عندما قام أعضاء كتلة «الأقاليم» الموالية ليانوكوفيتش باحتلال المنصة الرئاسية والإعلان بعد انسحاب رئيس الجلسة احتجاجاً، عن إطلاق عملية التصويت على القانون، علماً بأن ليتفين كان أعلن الاثنين أن عملية التصويت لن تطرح قبل استكمال مناقشة «عدد من البنود الواردة التي تحتاج لمراجعة وتعديل» وأدى التطور إلى وقوع عراك داخل المجلس، لكن الحزب الذي يسيطر على غالبية مقاعد «الرادا» تمكن من فرض إرادته وتمرير القانون بأصوات 248 من أصل 450 عضواً، وكانت أصوات 226 نائباً كافية لإقرار القانون. لكن المعارضة اعتبرت عملية التصويت غير شرعية أصلاً، وقال متحدث باسمها إن حزب الأقاليم حصل بعد «فرض التصويت بالقوة» على 219 صوتاً، ما اضطره إلى إعادة طرح القانون للتصويت مرة ثانية في الجلسة الصاخبة. إلى ذلك أعلن عدد من نواب المعارضة إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على ما وصف بأنه «سرقة إرادة المشرعين» وتوقع مراقبون زيادة في التصعيد بعدما تحولت المسألة إلى «معركة للدفاع عن اللغة الأوكرانية بصفتها اللغة الرسمية للبلاد» كما قال أحد النواب. وتعد مسألة اللغة الرسمية في البلاد والجدل حول إضافة اللغة الروسية، واحدة من أكثر المسائل حساسية في أوكرانيا التي شهدت في أكثر من مفصل منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، انقسامات حادة داخل المجتمع بين أبناء الأقاليم الشرقية التي تتحدث غالبيتهم الساحقة اللغة الروسية ولا تخفي تشكيلاتهم الحزبية تطلعها للتقرب إلى روسيا، خلافاً لسكان الأقاليم الغربية التي تنمو فيها بقوة النزعات القومية ويتطلع أبناؤها إلى الاندماج مع أوروبا. وكان هذا الموضوع واحداً من المسائل الأساسية التي تسببت بتفجير «الثورة البرتقالية» في العام 2004 التي أطاحت السلطة القريبة من موسكو في حينها وقادت المعارضة المدعومة من الغرب إلى سدة الحكم، لكن أحدث انتخابات رئاسية أجريت في عام 2010 أعادت رئيس حزب «الأقاليم» يانوكوفيتش إلى السلطة. وفور تسلمه مهامه اتخذ سلسلة خطوات لتحطيم معسكر خصومه كان بينها زج رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموتشينكو في السجن بتهمة الفساد، علما بأنها كانت تعتبر من أبرز رموز التقارب مع الغرب وتقليص تأثير روسيا على أوكرانيا.