فرضت قضية قطع المسلك الشرقي لطريق مدينة صيدا من قبل الشيخ أحمد الأسير وأنصاره نفسها على الوسطين الرسمي والسياسي، لا سيما بعد قرار مجلس الوزراء التشدد إزاء قطع الطرق، وإصرار رئيس الجمهورية ميشال سليمان على الأجهزة الأمنية لمنع أي إقفال للطرق، ورفع الغطاء عن المخلين بالأمن وتعطيل حركة الناس إثر ما حصل في بيروت مطلع الأسبوع الفائت بعد توقيف أحد المعتدين على محطة «الجديد» التلفزيونية. وفيما يتمسك الشيخ الأسير بالإبقاء على اعتصامه وأنصاره وسط الطريق تحت شعار إنهاء سلاح «حزب الله» وحركة «أمل» ويرفض التراجع إلى الرصيف، بناء للوساطات والجهود التي بذلت معه من قبل مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان وسائر فعاليات المدينة من كل الاتجاهات والقوى السياسية والانتماءات الطائفية، فإن بعض كبار المسؤولين ما زالوا يبدون تفاؤلاً بإمكان التوصل إلى صيغة تقنع الشيخ الصيداوي بفتح الطريق، نظراً إلى أنه بات وحيداً وسيصبح معزولاً عن مدينته في حال استمر في موقفه الذي يلقى استياء من الأطراف التي تتشكل منها الخريطة السياسية والاجتماعية والطائفية في صيدا. وفي وقت سمح الموقف الحاسم الذي أخذه الرئيس فؤاد السنيورة وآل الحريري مع فعاليات المدينة برفض قطع الطريق، بهذا التفاؤل بإمكان التوصل إلى حل للمشكلة، فإن مصادر سياسية لم تخف خشيتها من أن تؤدي إطالة اعتصام أنصار الأسير وسط الطريق إلى قضية يمكن التلاعب بها واستغلالها لافتعال صدامات لا يحتملها الوضع السياسي المتشنج في البلاد، ما يعني أن الضغوط على الأسير يجب أن تتسارع، لا سيما من قبل المجتمع المدني، لأجل حل سلمي لقضية إقفال الطريق، نظراً إلى الأكلاف العالية للحلول باستخدام القوة، والتي قد تنعكس سلباً على الوضع في المدينة. وذكرت أن ضغوط فاعليات صيدا نجحت أول من أمس في الحؤول دون تصعيد الأسير تحركه وصولاً إلى قطع الطريق البحرية إلى الجنوب التي تمنع تحركات قوات «يونيفيل» وسائر المواطنين من وإلى قراهم الجنوبية. وترى مصادر سياسية وفاعليات صيداوية أن التحرك الذي بدأه تجار صيدا أمس لمطالبة الأسير بفتح الطريق، قد يتكرر في حال لم يستجب، ويتسع ليشمل هيئات المجتمع المدني لإبلاغه رسالة واضحة بأن المحيط الذي يستند إليه لجذب جمهور إلى موقفه لا يوافق على أسلوبه ويرفضه لعلّه يتجنب بذلك تعميق رد الفعل السلبي حياله من هذا الجمهور. وتضيف المصادر نفسها التي تؤيد وضع سلاح «حزب الله» في إمرة الدولة وإنهاء تأثيره في الوضع الداخلي، أن تحقيق هذا الشعار سيأخذ وقتاً ليس بقليل وبالتالي ليس معقولاً أن يواصل الشيخ الأسير اعتصامه وقطعه الطريق للتوصل إلى حل لمسألة السلاح. وإذا استمر فإن إمكان استغلال اعتصامه للتسبب بمشاكل سيكون متاحاً أكثر. وهذا غير منطقي. وفي المقابل، جرت مشاورات بين بعض المسؤولين في إمكان إنهاء اعتصام الأسير وأنصاره، وإقفاله الطريق باستخدام القوة التي أجازها مجلس الوزراء حيال إقفال الطرق طالما أنه لم يستجب للمساعي التي بذلت معه، وأن القوى التي يوجه الأسير اعتصامه ضدها، أي «حزب الله و(حركة أمل) بدت متحمسة لهذا الخيار، خصوصاً أن خطب الأسير ومواقفه باتت تزعجها لخروجه عن المألوف في لهجته وتوجيهه الكلام إلى أقطاب وقيادات لها هالتها لدى جمهورها وفي الوسط السياسي. وفي رأي أوساط رسمية أن اللجوء إلى هذا الخيار العنفي مع الأسير، فضلاً عن مخاطر واحتمالات تحوله إلى حدث دموي، يطرح أسئلة عما إذا كانت القوى الأمنية التي ستتولاه ستتعاطى مع غيره بالأسلوب نفسه إذا تكررت عملية قطع طريق هنا أو هناك أو أحرقت دواليب في بيروت وشوارعها الرئيسة، خصوصاً أنه جرت محاولة لم تدم طويلاً، ليل أول من أمس، لحرق دواليب عند بوليفار سليم سلام من قبل المجموعات الشبابية المحتجة على توقيف أحد المتهمين بالاعتداء على تلفزيون «الجديد»... وأشارت هذه الأوساط إلى أن قمع اعتصام الأسير وإقفاله الطريق يعني أن على القوى الأمنية أن تتعامل بالعنف مع أي تظاهرة بعد الآن وإلا ستتهم بأنها تستخدم القوة في مناطق معينة دون الأخرى. وهذه التهمة سيسهل توجيهها إلى السلطات اللبنانية إذا تكرر في صيدا ما يشبه الذي حصل في عكار حين قتل شيخان على حاجز للجيش اللبناني. وستكون لهذا الأمر آثار سلبية كبيرة بعد نجاح جهود تيار «المستقبل» ورئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة لتهدئة الخواطر في عكار. فهل إن القوى الأمنية ستتمكن من التعامل بالعنف والقوة مع متظاهرين في مناطق خاضعة لنفوذ «حزب الله» وحركة «أمل»، لا سيما إذا كانا يدعمان خروج هؤلاء المتظاهرين إلى الشارع لإقفاله؟ وعليه تعتبر الأوساط الرسمية أن المراهنة على تحرك مدني وشعبي في مواجهة ما يقوم به الأسير تبقى أكثر فعالية وتصون العلاقات بين المجموعات اللبنانية، لا سيما أن إجماعاً برز في صيدا على رفض أسلوبه، يبقى أفضل السبل. وتلفت أوساط سياسية إلى أن التذمر من إقفال طريق صيدا في الأوساط السنّية في المدينة وغيرها، يقابله تذمر وتململ كبيران في الأوساط الشيعية حيال ممارسات المجموعات الشبابية المؤيدة ل «حزب الله» وحركة «أمل» في الشارع، لا سيما في بيروت وعلى طريق المطار، وهما تذمر وتململ أخذ الجمهور الشيعي يعبر عنهما نتيجة تراكم الارتكابات، لعلم هذا الجمهور بأن معظم التحركات تتم بطريقة منظمة وبحماية مسؤولين حزبيين، هذا فضلاً عن أن بعض هذه الارتكابات تأتي نتيجة خروج بعض العصابات عن السيطرة بعد أن تمتعت سابقاً بالحماية الواضحة، بحجج مختلفة منها عدم رغبة «حزب الله» بالدخول في خصومات عشائرية أو عائلية. وكشفت هذه الأوساط أن هذين التململ والتذمر بلغا أيضاً الجمهور المسيحي المؤيد للعماد ميشال عون و «التيار الوطني الحر» الذي كان يؤيد الأخير في تفاهمه مع «حزب الله» إذ إن هناك تساؤلات حول مدى الأضرار التي تصيب المسيحيين جراء فصول الصراع السنّي - الشيعي وانعكاساته على موقع الشريك المسيحي في البلد وفي السلطة، كما أن أوساطاً سياسية تشير إلى أن عون نفسه لا يخفي في بعض المجالس الضيقة انزعاجه من عجزه عن الإفادة من تحالفه مع «حزب الله» لمعالجة مطالب تخص جمهوره ومصالح تياره.