إخواني أحذركم ونفسي من المهلكات، وفي حكمها القطارات، وروي عن أحد الثقاة قوله إن والي اليمن السعيد قال يوماً محدثاً شعبه: «فاتكم القطار»، فغادر البلاد بعدها محمولاً على «نقالة»، ويقال إن راشد بن أبي ماجد أراد يوماً أن يلحق بمعشوقته قبل أن تسافر من دون علم منا أن كان لهدف تحذيرها أو وداعها، لكن اعترضه زحام في أحد الأنفاق التي أنشأتها البلدية أخيراً ووصل متأخراً فأخذ يندب حظه وينشد قائلاً: «القطار وفاتنا، والمسافر راح»، ولم يرد في ما بعد إذا ما كان المسافر الذي يقصده بلغ وجهته أم جنح به القطار. والقطار هو ما يُطلق عليه بلسان الفرنجة «تراين»، ويعد بالنسبة لهم وسيلة نقل، وهو عبارة عن مجموعة من العربات الحديدية التي يجر بعضها بعضاً، لكن عرباته في عالمنا الثالث تجر خيباتها جراً، وفيما العرب المستعربة تطلق عليه اسم القطار، أخرج أجدادنا الخواجة الذي بداخلهم وأطلقو عليه اسم «الريل»، نسبة إلى «railways»، ولا توجد رواية ثابتة عن اقتحام هذا الكائن الحديدي المصفح خصوصيتنا، لكن نقل عن أحد التقاة أن «الريل» منذ ذلك الوقت فقد أسرته وبقي لوحده يتيماً من دون أنيس أو «ونيس» حتى يومنا هذا. ورأيت في ما يرى النائم، أنه وانطلاقاً من الآية الكريمة (فأما اليتيم فلا تقهر)، اتفق أهل السلطة على أن ينزعوا وصاية القطار اليتيم من هيئة السكك الحديد ويسلموا ولايته إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بصفتها المعنية برعاية الأيتام، أملاً في أن تحسن معاملته، عطفاً على حالات الانتهاك التي يتعرض لها والإهمال الذي يبين ضعف لياقته. وقال أحد المستكشفين الذين يتنقلون بالقطار في أسفارهم، إنه ما من مرة امتطى صهوة ذلك القطار إلا وكانت وصيته قد سبقته لأهله. وروى من الأهوال التي رآها ما يشيب لهوله الولدان، لدرجة أنه اتهم الجن بتدبير حوادثه عقاباً له على إزعاجه إياهم. وقطار «الشرقية السريع» يهرول بين الرياضوالدمام وسط صحراء مقفرة لا ترى فيها أنسياً وحيداً إلا من بعض الواحات، وأخيراً كان يسير بكل دعة متجهاً إلى وسط البلاد، وفوجئ من بصحبته وهو ينقلب بلا سابق إنذار ويستلقي على جانب الطريق وسط هرج ومرج وإشاعة فوضى، وانتقل ما حدث وكأنه من المنكرات والعياذ بالله، على رغم أنه ومنذ إطلاق عالم الوراقين في الجزيرة العربية يتردد الخبر ذاته كل عام، وبالتفاصيل ذاتها. ويقال إن حال الهوس لدى القطار وصلت لأن يلتف على نفسه إذا لم يجد ما يصدمه، نجانا الله وإياكم، وكأن به مساً من الشيطان. إخواني لا أعلم لماذا أثارتكم قصة جنوح القطار وانقلابه، فالحادثة ليست الأولى، فالأمر الجلل هنا أنها أمر محبط بالنسبة لي لأنه يعني أن قطارنا متخلف وغير مواكب للحضارة، فعلى رغم أنه لم يتمكن من ابتكار حوادث جديدة، فإن المؤسسة لم تستطع أن تتكيف مع حوادثه المعتادة، لدرجة أنني بت أعتقد أن الحوادث التي تقع ما هي إلا تضحية يقدمها بكل تواضع للمؤسسة لأخذ الخبرة من كيفية التعامل مع هكذا مواقف إذا ما عملت القطارات السريعة، هل قلت قطارات سريعة؟ أتوسل إليكم اتركونا ننعم بهذا القطار الأثري، فالمؤسسة تؤكد أن السريع سيختصر ساعتين من الزمن الذي يقطعه قطارنا الأثري من الرياض إلى الدمام، لكنني لست متأكداً إذا ما كانت الساعتان من زمن رحلة القطار أم عمر راكبيه؟ ندرك أن المؤسسة حريصة على المواعيد أكثر من القطارات ذاتها، لدرجة أنه لو قلت لفتاة «فاتك القطار» فستخرج المؤسسة بياناً تقول فيه: «مواعيدنا الأكثر دقة مقارنة بالدول الأخرى»! [email protected] @Saud_alrayes