في مطار خليجي شاهدت موظف الجوازات يختم جواز سيدة تغطي وجهها بالكامل وبصحبتها رجل آخر، وحين جاء دوري سألت الموظف، ما الذي أدراك بأن هذه السيدة التي عبرت حاجز الجوازات هي امرأة وهي حاملة الجواز نفسه؟ ابتسم الموظف وهز كتفيه وقال: نحن الخليجيون هكذا. أنا أفهم هذه التركيبة الثقافية، لكن لا أظن أن راكباً أوروبياً أو أميركياً يشاركنا حق السفر على نفس الرحلة سيفهمها مثلي. فالمسافر الأجنبي لن يهمه هنا سوى السياق الأمني والمهني الذي يقتضي بأن يتعامل الموظف مع مسؤوليته كمراقب أمني وإلا كلفنا هذا الكثير. وفي المطارات العالمية بقدر ما تبث الاحتياطات الأمنية الضيق في نفسك إلا أنها تشعرك بالأمان، لأن لا أحد يفرط بمسؤولياتها. ومن شدة الاحتياطات الأمنية تجد فوق رأسك وأنت تعبر منطقة التفتيش عبارة تحذرك «لا مزاح». عند هذه النقطة ينتهي المزاح ويدخل الجد. منذ أيام نشرت الصحف خبر سيدات سعوديات لم يستطعن عبور مطار باريس بسبب رفضهن كشف وجوههن أمام موظف الجوازات، فأصر الموظف في المقابل أن يعدن على نفس الطائرة التي جاءت بهن من باب لا مزاح في هذا الأمر. لكن جمهور «تويتر» السعودي طالب بتكريمهن بينما تباكى آخرون على الشعارات الحضارية التي تدعو لاحترام المعتقد والحريات الشخصية. هؤلاء المحتجون باسم حرية المعتقد والتعبير في السعودية على الإجراء الأمني الفرنسي هم نفس الأشخاص الذي يعترضون في بلادهم على تجول السيدة السودانية والإندونيسية بزيها المحلي، ورغم أنها تضع حجابها وفق مذهب إسلامي «سني» تعتقد أنه يسمح لها بكشف وجهها. لكن هذه الممارسة تعد من وجهة نظرهم انتهاكاً للقانون المحلي ولحرمة بلادهم، ويصرون أن تلبس عباءة وتغطي وجهها. وهم أنفسهم الذين لا يجدون غضاضة في مداهمة «هيئة الأمر بالمعروف» لبعض أفراد الجاليات الأجنبية غير المسلمة، والقبض عليهم بتهمة التبشير، لأنهم مجتمعون في شقة صغيرة يصلون وفق شعائر دينهم المحظور ممارستها في الأماكن العامة. إن شعار احترام المعتقدات الاجتماعية أو الدينية - والتي يعود بعضها إلى فروع من الدين لا يتفق الجميع عليها - هو من حق الجميع من دون شك، لكن النقاش يجب أن يفتح لمعرفة حدود الاحترام الدنيا والعليا، ماذا يحق لك في بلاد الآخرين؟ وماذا يحق لهم في بلادك؟ وهل يمكن القبول بهذه العادات والتقاليد فيما لو تعارضت مع حقوق الإنسان؟ ماذا لو ظلت الزوجة الهندية تحتفظ بعادة حرق نفسها بعد موت زوجها كمثال على الشرف، ولو أن الأم الصينية لا تزال تضع قدم طفلتها في قوالب صغيرة بحجة الحفاظ على جمال قدم الأنثى بحسب القيم الصينية فتتشوه قدم الصغيرة وتعاق، ولو أن السودانية أو المصرية التي تعيش في لندن تصر على أن تفتش عن قابلة غير قانونية لتقوم بختان طفلتها، ولو أن الباكستاني يصر على أن يقيم حفلة كي يزوج طفلته في التاسعة من عمرها بحجة أنه مسلم؟ وماذا لو أن السعودي يصر على أن يزور قرى مصر كي يتزوج طفلة في التاسعة زواج «مسيار» بحجة أن هذا من الحلال؟ هل يمكن التعاطي مع هذه القيم كحريات شخصية، وعلى النظام ليس الأوروبي فقط بل المحلي أن يغض النظر عنها بحجة أنها ممارسات تتبع معتقدات شخصية؟ قد تعني الحرية الشخصية أن تعتقد بنفسك ما تشاء لكنها لا تعني أبداً أن تفعل بالآخرين أيضاً ما تشاء. حريتك تقف عند حق الغير، وعند قيم الحضارة الإنسانية المشتركة، وحين يحدث ذلك علناً فعلى القانون أن يفصل بينكما بالعدل. [email protected]