ربما صار الحديث عن مضار التدخين مكروراً إلى حدّ التفكير بأن لا جدوى من تكراره. لماذا يصر الملايين على ممارسة ما يشبه الطقس اليومي للتدخين، بل تكراره عبر ساعات النهار والليل، على رغم معرفتهم بأنه يسير بهم الى هلاك محتم؟ هل ثمة ميل الى انتحار جماعي يختفي تحت رشاقة السيجارة وعبق رائحة التبغ بأنواعه كافة؟ هل أنها، كما يرى البعض، اللعنة الأخيرة لقبائل الهنود التي نقلت عادة التدخين الى الرجل الأبيض، قبل أن يسير في مجازر جماعية ضدها ويفنيها؟ التكرار والأمل على رغم هذا الإحساس المُضني باللاجدوى، ثمة مؤشرات تعطي بعض الأمل بأن هذا «التكرار» لا يذهب عبثاً. فمثلاً، استطاعت الولاياتالمتحدة أن تخفض من نسبة أمراض القلب والشرايين بفضل حملات توعية بمضار التدخين وأسلوب الحياة الصحي ومساوئ المآكل السريعة، بحسب تقرير صدر في مطلع عام 2012 عن إدارة الصحة الأميركية. ومع فوز الحزب الإشتراكي الفرنسي بالرئاسة في بلاده، واتجاهه لتحقيق غالبية برلمانية أيضاً، يتوقع أن تتشدد فرنسا في قوانين مكافحة التدخين. وطريّ في الذاكرة أن العام 2008، استُهل بقرار فرنسا حظر التدخين في المقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه العامة وغيرها. وحينها، التحقت بلاد الغال بمجموعة من الدول الأوروبية التي انفذت قرارات مشابهة في أوقات سابقة. مضار التبغ مع تدخين سيجارة مفردة، تتسرب الى الجسم غازات سامة يصل مجموعها إلى قرابة 300 مركب كيماوي. ومن المستطاع تقسيم هذه الغازات إلى خمس مجموعات رئيسية: 1 – مواد مُسرطِنة Carcinogen تساهم في حدوث السرطان بفاعلية. 2 – مواد مُساعدِة للمواد المُسرطِنة «كو كارسينوجين» CO – CARGINOJEN. 3 – النيكوتين: وهو سمّ في منتهى القوة، إذ يكفي 40 ملليغراماً منه لقتل كائن بشري. وتتراوح نسبته في أصناف السجائر بين 2 و6 في المئة، إذ تحتوي السيجارة على ما يتراوح بين 0.5 وميللغرامين. 4 – مواد مهيجة: وهي التي تلحق الضرر بالقصبة الهوائية وتشعّباتها. 5 – الغازات: خصوصاً أول أوكسيد الكربون الذي ترتفع معدلاته في السيجارة فوق المستوى الذي يعتبر مأموناً في الصناعة! وفي كل مرة نخرج سيجارة من علبتها، ونشعلها ونستنشقها، نحصل بصورة رئيسة على سحابة دخان مملؤة بمواد مركبة تتجمع في الفم، ويؤدي استنشاقها الى نوع من التدمير الذاتي، إذ تحتوي جدران المجاري التنفسية نتوءات مثل الشعر، تتحرك باستمرار لمنع الغبار والبكتيريا من دخول الرئتين. ويؤدي استنشاق دخان السيجارة إلى شلل موقت لهذه النتوءات الشعرية الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ عملها، فتتدفق المواد المضرة الى الرئتين! وإضافة الى هذا، يحتوي دخان التبغ على جسيمات صلبة أيضاً، تتكثف وتشكل قطراناً كثيفاً يترسب على جدران الشعيبات الرئوية، وبسبب الشلل الموقت للنتوءات الشعرية فإن هذه الجسيمات الصلبة تستقر في الرئتين. وإذا افترضنا أن شخصاً ما يدخن علبة (20 سيجارة) يومياً، فإنه يدخن 7300 سيجارة سنوياً، تحتوي 124 غراماً من القطران. ولذا، فإن السعال (القذر) الذي يعزا إلى التدخين، هو محاولة الجسم وبخاصة الرئتين وجهاز التنفس، لطرد هذه المواد الضارة. ومع مرور الوقت يمكن أن تصاب المجاري التنفسية بأضرار دائمة. ومن المحتمل أن تفقد الرئتين مرونتهما وأن يتسبب ذلك في حدوث «انتفاخ الرئة» («إمفيزيما» Emphysema) والالتهاب الشعيبي المزمن («كرونك برونكايتس» Chronic Bronchitis) إضافة إلى مشاكل صحية أخرى. وتحتوي «سحابة دخان» أيضاً على أول أكسيد الكربون، وهو غاز سام يُمتصّ من الدم بسهولة أكثر بكثير من الأوكسجين، ما يحرم الجسم مباشرة من قرابة 8 في المئة من الأوكسجين. وكذلك يُحدث التدخين صعوبات في التنفس، وتكون النتيجة نقصان محتوى الدم من الأوكسجين، ما يجبر القلب على العمل بصورة أسرع، فيرهق بالتدريج الى أن يفشل في إداء عمله. وفي السياق عينه، يعمل النيكوتين على تضييق الأوعية الدموية وتصلبها، ما يزيد العبء على القلب أيضاً، بفعل ارتفاع ضغط الدم. ولهذه الأسباب، يصبح المدخن أكثر ميلاً للاصابة بأمراض شرايين القلب التاجية. وتظهر هذه المشكلة لدى المدخنين بصورة مبكرة، بالمقارنة مع غيرهم. الأورام القاتلة يعتبر سرطان الرئة من أبرز المخاطر التي تهدد حياة المدخنين عموماً، بفعل ما تحتويه السجائر من مواد مُسرطِنة وأخرى مساعدة لها. وينطبق الوصف عينه على سرطانات الفم والحنجرة. ويرتفع معدل الأخيرة عند المدخنين بقرابة 70 ضعفاً عن سواهم. كما يزيد التدخين من معدل الاصابة بسرطانات المريء والمعدة والمثانة. والتدخين مشكلة عامة، فالمدخن ربما يمكن أن يكون لديه الحق في الانتحار، لكن ليس له الحق في تسميم هؤلاء الذين يوجدون بالقرب منه، سواء كانوا زملاءه في العمل أم رفاق طريقه أم زوجته وأولاده. ومع تهديد مخاطر التدخين للحامل، فإن الجنين يصبح مهدداً، حتى قبل ولادته. وللحديث بقية.