قد يصل الناقد او الكاتب في شؤون السينما عموماً الى مكانة الفيلسوف (غي ديبور)، وقد يصبح أيقونة في بلاده (الأميركية بولين كايل)، وقد يعتبر صنماً ثقافياً على الطريقة الستالينية (الشيوعي الفرنسي جورج سادول). وهو ايضاً قد يصل الى مكانة سينمائية كبيرة إن تحوّل مخرجاً (غودار أو فرانسوا تروفو أو حتى الأميركي كاميرون كراو)... وقد يُبجّل كثيراً إن كان رائداً مؤسساً (اندريه بازان)... غير ان الناقد السينمائي لا يمكن ان يتوقع له ان يصبح «سوبر ستار» تبعاً لطبيعة مهنته نفسها ولانحصار قرائه. أو على الأقل هذا ما كانت الحال عليه حتى الآن... ولكن ها هي الذكرى العشرون لرحيل الناقد الفرنسي سيرج داناي، تحلّ لتحدث تبدّلاً كبيراً في مسار المكانة المكرسة للناقد المهتم بالفن السابع في الحياة الثقافية. فهذه الحياة، في جغرافيتها الباريسية على الأقل، تشهد هذه الأيام تصاعداً كبيراً في مجال الاهتمام بأهل هذا الفرع المعرفي، وتحديداً من خلال النشاطات الثقافية المقامة من حول ذكرى داناي... وهي نشاطات بدأت فعالياتها قبل ايام لتتواصل حتى نهايات شهر آب (اغسطس) المقبل... اما نقطة الذروة فيها فتتمحور في قاعات السينماتيك الفرنسية حيث على مدار ستة أسابيع كاملة يقام معرض شامل لكتابات داناي ومخطوطات دراساته وكتبه، وصور عن حياته التي كانت قصيرة انتهت بموته بعد معاناة مع مرض فقدان المناعة (الذي اعلن عن اصابته به يومها بكلّ جرأة ومن دون خجل)... وفي قاعات السينماتيك نفسها، تبرمج عروض لعدد لا بأس به من الأفلام التي كان داناي يعتبرها من أفلامه المفضلة وطويلاً ما دافع عنها على الضد من زملاء كثر له هاجموها، ثم أثبت الزمن صواب وقوفه الى جانبها. ومن هذه الأفلام: «تحليل جريمة» و «دودسكادن» و «ريو برافو» و «فرتيغو» وبخاصة «سايات نوفا» للأرمني السوفياتي بارادجانوف... وغيرها. ومن العروض اللافتة ايضاً سلسلة افلام وثائقية عن افكار سيرج داناي وحياته، ومن بينها الفيلم الذي حققته السينمائية المغربية-الفرنسية سيمون بيتون في عنوان «حوار الشمال والجنوب» وجمعت فيه بين داناي والباحث الفلسطيني الياس صنبر في حوار لا ينسى... وذلك إضافة الى أفلام تحمل عناوين ذات دلالة مثل: «داناي الملعون» و «هاوي السينما والقرية» و «مسار هاوي سينما» وبخاصة «من السينما الى التلفزيون» الذي يكاد يعبّر خير تعبير عن مسار داناي المهني هو الذي بعدما برز كواحد من اهم نقاد السينما الفرنسيين، ولا سيما على صفحات مجلة «كراسات السينما» حوّل نفسه الى ناقد ومنظّر في شؤون وسائل الإعلام في شكل عام والتلفزة في شكل خاص على صفحات جريدة «ليبراسيون» خلال الحقبة الأخيرة من حياته. وهي الحقبة التي شهدت أوج شهرته ونشر بعض اهم مقالاته حول السينما والإعلام والسياسة والتلفزيون. وهذه المقالات ستظهر للمناسبة مجموعة منها في نحو 900 صفحة في جزء ثالث من كتاب له عنوانه «بيت السينما والعالم»، ناهيك بطبعات جديدة من نحو ستة كتب له كانت قد صدرت خلال السنوات الأخيرة... فإلام يحتاج ناقد سينمائي أكثر من هذا كي يكرّس بالفعل كسوبرستار؟