انتهى اجتماع «هيئة الحوار الوطني» اللبناني برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمس الى اتفاق على بحث جدول أعمال الحوار المتعلق بالسلاح، في الجلسة المقبلة التي دعا إليها الرئيس في 25 حزيران (يونيو)، بعدما أفرغ أقطاب الحوار الخمسة عشر الذين حضروا، (عدد الأعضاء 19)، ما في جعبتهم على مدى 4 ساعات عن مواضيع شتى، إذ ان ممثلي «8 آذار» تحدثوا عن عناوين عدة لم تقارب موضوع السلاح فيما تناول ممثلو «14 آذار» موضوع السلاح، وتقاذف الجانبان المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع من تدهور أمني وتراجع اقتصادي، وتولى الفريق الأول الدفاع عن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي حملتها قوى 14 آذار مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد مطالبة برحيلها. وأجمعت أوساط المجتمعين، الذين غاب عن الطاولة التي جمعتهم أربعة، عميد «النهار» والصحافة اللبنانية غسان تويني الذي استمر تقبل التعازي بوفاته أمس، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ووزير المال محمد الصفدي بداعي المرض، على أن النقاش الذي لم يخل من الحماوة أحياناً، اتسم بالهدوء معظم الأحيان . ولعلّ لقاء أقطاب الحوار بعد سنة و7 أشهر على انقطاعه، أفسح المجال في تشعب النقاش، بعدما أوجبت التوترات الأمنية الخطيرة التي شهدها لبنان خلال الأسابيع الماضية نتيجة تداعيات الأزمة السورية على أرضه، لا سيما في الشمال، استئنافه، في ظل المخاوف والقلق من حرب أهلية ينزلق البلد إليها امتداداً للحرب الدائرة على الأرض السورية. وعكس البيان الذي صدر عن الاجتماع وكانت رئاسة الجمهورية حضرت مسودته، هذا الواقع، إذ أشار الى «مناقشة عامة لجدول الأعمال ولمواضيع عامة طارئة». وتضمن 17 بنداً تطرق واحد منها فقط الى كلمة «السلاح» من زاوية التأكيد أن «اللجوء الى السلاح مهما تكن الهواجس والاحتقانات يؤدي الى خسارة محتمة وضرر للجميع». إلا أن البيان الذي أخذ عنوان «إعلان بعبدا» أكد «التزام نهج الحوار والتهدئة الأمنية والسياسية والإعلامية» والتزام ميثاق الشرف «الذي سبق أن صدر عن هيئة الحوار الوطني لضبط التخاطب السياسي والإعلامي» (عام 2010) والتمسك باتفاق الطائف وتنفيذ كامل بنوده وتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وضبط الأوضاع على الحدود اللبنانية – السورية وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان واستعماله مقراً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، وهي البنود التي كان يهم الرئيس سليمان التشديد عليها لتنفيس الاحتقان في البلاد، إذ كان هاجسه تبديد التشنجات لكي ينعكس ذلك على الشارع. وعلمت «الحياة» أن نقاشاً جرى حول بندين. الأول يتعلق بالحادي عشر الذي ينص على التمسك بالطائف إذ أصرّ رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة على شطب إضافة كانت واردة منه، والثاني هو المتعلق بالتزام القرارات الدولية بما فيها القرار 1701، الذي أبدى ملاحظة عليه النائب سليمان فرنجية، لكنه أبقي كما هو بإصرار من الرئيس سليمان الذي شدد على أن التمسك بهذا القرار يحصن لبنان دولياً. وعندما لاحظ أقطاب 14 آذار أن البيان لا يتضمن شيئاً عن موضوع جدول الأعمال وهو السلاح، حرص سليمان على القول إن هذه «الجلسة هي البداية وفي الجلسة المقبلة سنناقش موضوع السلاح بتوسع». وكان سليمان افتتح الجلسة بمداخلة طويلة أشار فيها الى محاولاته السابقة عقد هيئة للحوار «لم تحظ بقبول الفريقين»، وإلى ما حصل من تطورات دولية وإقليمية وداخلية منذ حينها، بدءاً من الأوضاع في أفغانستان والعراق ومفاوضات الملف النووي الإيراني والانتخابات في فرنسا وأزمة اليورو... وصولاً الى أحداث الربيع العربي وصعود الإسلاميين... والقطيعة الكاملة من الأنظمة العربية لنظام الرئيس بشار الأسد. وتحدث عن «واقع العلاقات السعودية – السورية الذي أدى الى انهيار الحكومة العراقية ليأتي (نوري) المالكي بدعم إيراني ورضا أميركي». وسأل إذا كان لتوسيع بنيامين نتانياهو حكومته «دلائل مبيتة أو استعداد لتطورات معينة». كما عرض التطورات في لبنان منذ سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري وتشكيل حكومة ميقاتي بالتزامن مع بداية الاضطراب في سورية، ثم تمويل المحكمة الدولية وما حققته الحكومة، وأشار الى ضرورة تأمين حماية قوات يونيفيل». وتحدث سليمان عن الحوادث الأمنية على الحدود مع سورية وعن ضبط القوى الأمنية عمليات تهريب أسلحة، وحادثة مقتل الشيخين في عكار أثناء حفظ الجيش الأمن، وعن حصول خطف بين أطراف من السنّة والعلويين، وعن خطف لبنانيين في حلب. وقال: «اقتربنا من حافة الخطر والوضع مخيف والمجتمع الدولي متوجس والدول العربية قلقة وحذّرت رعاياها وتعرض الاقتصاد لانقباض كبير وموسم الاصطياف مهدد واستبيحت كرامة المؤسسات وباتت عرضة للاتهام». وأضاف: «وردتني دعوات كثيرة لنزع السلاح ورسائل تحذيرية داعية للحوار من المجتمع المدني ودقت الهيئات الاقتصادية ناقوس الخطر وهذا ما دعاني للدعوة الى الحوار التي تحظى بغطاء لبناني واسع وغطاء عربي – دولي وإلى تنشيط الأداء الحكومي». وبعدما عدد مبررات الدعوة للحوار، أشار الى تحضير الأجواء لزيارة البابا في أيلول (سبتمبر) المقبل. وأقر سليمان «بأننا لم نتمكن من تنفيذ بعض قرارات الحوار السابقة مثل سحب السلاح الفلسطيني لأسباب داخلية ومنها ما هو سوري»، مشيراً الى عدم تنفيذ بند ترسيم الحدود مع سورية «لسبب سوري». وطالب باستكمال تطبيق اتفاق الطائف، ودعا الى «الحكمة والاعتدال في مقاربة الحلول». وتلته مداخلة للرئيس ميقاتي غمز فيها من قناة قوى 14 آذار ومطالبتها باستقالته ومما قاله: «ليس أسهل، من إطلاق الشعارات والمواقف وتدبيج المذكرات واختيار المفردات التي تدغدغ العواطف وتحاكي أحياناً الغرائز، وإلقاء تبعات التقصير على الغير وكأن بعضنا حلّ في لبنان مؤخراً وما تولى يوماً المسؤولية... أو أن هذا البعض لا يتحمل في مكان ما تبعات تقصير أو تجاهل متعمد». وإذ دعا الى جلسات منتجة للحوار تطرح الحلول الواقعية بجرأة وتجرد، أعلن «التزام الحكومة ترجمة كل ما يتم التوافق عليه على طاولة الحوار، بقرارات تتخذها السلطة التنفيذية من خلال مجلس الوزراء، فيدنا ممدودة كما كانت قبل تشكيل الحكومة، وإرادة التوافق هي الطريق الوحيدة». وقالت مصادر المتحاورين إن من المناقشات البارزة أن ممثل «حزب الله» النائب محمد رعد اتهم «تيار المستقبل» بتهريب السلاح الى سورية وبالسعي لإنشاء منطقة عازلة وبالتهجم على الجيش في الشمال. كما تحدث عن دور المقاومة في مواجهة إسرائيل قائلاً: «لولاها لكانت القوات الدولية تحت الفصل السابع في الجنوب بصيغة قوات متعددة الجنسية والمقاومة هي التي فرضت القرار 1701». كما حذّر رعد من أنه «إذا اندلعت الحرب الأهلية في لبنان هذه المرة ستكون حرب 1975 بسيطة مقارنة بها». ورد السنيورة عليه قائلاً: «الاتهامات التي توجه لتيار المستقبل بالتسلح وتهريب السلاح الى سورية غير صحيحة على الإطلاق ونحن ضد أي سلاح خارج إطار الشرعية وضد تهريب الأسلحة الى سورية وضد تهريب الأسلحة الى لبنان أيضاً. وضد تهريب المسلحين لكن موقفنا السياسي الداعم لمطالب الشعب السوري لن نتراجع عنه. وتيار المستقبل لا يعمل لمنطقة عازلة في الشمال. والكل يعرف موقفنا الصريح الذي أعلن لحظة استشهاد الشيخين أحمد عبدالواحد وحسن مرعب فوقفنا مع المؤسسة العسكرية ودعونا للالتزام بالهدوء ودماء الشيخين كانت ما زالت على مقعد السيارة، وقد ذهبت أنا الى البيرة وناديت بالوقوف مع المؤسسة العسكرية وحمايتها فليس من الجائز تشويه موقفنا». وأوضح أن وثائق «ويكيليكس» كشفت من الذي أحبط محاولات نشر قوات متعددة تحت الفصل السابع وأن الحكومة ورئيسها (السنيورة) كانا ضد هذا الأمر وهما من ساهم في إقرار ال1701. وعُلم أن سليمان ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط دافعا عن موقف الحكومات السابقة حيال المطالب الإسرائيلية. وقال سليمان إن مجيء قوات متعددة لم يكن مطروحاً. وأشارت المصادر الى أن الرئيس أمين الجميل رد على انتقاد النائب رعد لطرح قوى 14 آذار لموضوع السلاح بالقول: «كنا ننتظر منكم أجوبة وموقفاً واضحاً وإلا لماذا نحن هنا؟ تحدثتم عن كل شيء إلا عن السلاح، مع أن رئيس الجمهورية أدرجه في صلب جدول الأعمال الذي يقتصر على هذا الموضوع لا غير». وقالت المصادر إنه مقابل تركيز السنيورة وقوى 14 آذار على رحيل الحكومة وأنها جاءت بانقلاب على الطائف، كانت مداخلة لجنبلاط رد فيها على ذلك بالقول : «أنا الذي نفذ الانقلاب مع الرئيس ميقاتي»، وأضاف متهكماً: «تآمرنا مع سورية وإيران ضد الوساطة القطرية – التركية. ولست نادماً على الانقلاب لأنه كان لوأد الفتنة مع أننا كنا ماشيين في اتفاق «س س» (السعودية وسورية)». وكرر جنبلاط أكثر من مرة قوله: «أنا لست مع 14 آذار ولا مع 8 آذار وعلى الفريقين أن يوقفا التمويل والتسليح في باب التبانة وجبل محسن من أجل وأد الفتنة». وأيد جنبلاط جدول الأعمال الذي وضعه رئيس الجمهورية للحوار، والذي يتناول موضوع السلاح. وقال إنه يرفض أن يكون سلاح المقاومة «مرتبطاً بالصراع العربي – الإسرائيلي وبالدفاع عن إيران لأننا سبق أن توافقنا في الحوار برئاسة الرئيس نبيه بري عام 2006 على أن يكون هذا السلاح للدفاع عن لبنان وليس أكثر. وأنا أشدد على التزامنا ما اتفقنا عليه لجهة دعم المحكمة الدولية وترسيم الحدود وإنهاء الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات وتنظيمه داخلها». وطالب جنبلاط بالإسراع في التحقيق باغتيال الشيخين أحمد عبدالواحد ومحمد مرعب في عكار «كما فعل الجيش في الماضي بعد إطلاق النار على المواطنين العزّل في الشياح كي نخرج من دوامة الاتهامات للجيش».