لأن العلم ليس جموداً ولا نصوصاً خشبية، بل هو التزام بالإنسان أولاً، أحدث وباء «إيبولا» انقلاباً في تاريخ الطب عبر سماح خبراء «منظمة الصحة العالميّة» باستخدام أدوية وأمصالاً تجريبيّة لعلاج مرضى «إيبولا». إذ تجاوز الخبراء قواعد علميّة راسخة تقضي بعدم استخدام أدوية إلا بعد التثبّت من فعاليتها في أجساد البشر، بل خلوها أيضاً من آثار مضرّة. وبعد مؤتمر استمر يومين في جينيف، قرّر الخبراء أن فداحة الكارثة الإنسانيّة التي تحدثها جائحة «إيبولا»، تفرض تحطيم القاعدة، واللجوء إلى الاستثناء والخروج عن النص، كي يعطى جسد البشر ما يرفع من قوته في مواجهة الفيروس الدموي. ولأن الخيال هو جزء من مغامرة العقل الإنساني، يجدر القول أيضاً إن مصانع الخيال البشري الهائل في هوليوود «تنبّأت» بحدوث تلك الثورة، قبل سنوات. إذ ظهر فيلم «موجة وباء» ( Out Break 1995- داستن هوفمان)، متوقعاً أن يستخدم مصل تجريبي في مواجهة وباء فيروسي فتّاك. وفي جنيف أمس، بدا خبراء عالميّون كأنهم ينقلون خيال الشاسات البيضاء إلى الأجساد النازفة في أفريقيا. هل يكتمل ذلك الخيال فتنجح الأمصال التجريبيّة في شفاء المرضى (وتاليّاً كسر موجة الوباء)، على غرار الأمل الذي رسمه ذلك الشريط الهوليوودي؟ لنعقد أصابع الرجاء. ولننتظرْ لنرى. أميركا مصدراً للأمل اندلع الأمل من أميركا، عندما بادر خبراء في «مراكز ترصّد الأمراض» (مقرّها «أتلاتنا» بولاية جورجيا)، بإعطاء مصل كانت شركة «ماب» Mapp الأميركية تنتجه سراً في مصانعها بولاية كاليفورنيا. وأعطى الخبراء ذلك المصل الذي يحتوي أجساماً مناعيّة مضادة للفيروس إلى مريضين أميركيين كانا يكافحان الفيروس في ليبيريا. ونُقِلَ المريضين إلى أميركا. ونجح مصل «زد ماب» ZMapp في شفائهما بصورة دراماتيكية وسريعة. وسرعان ما تبيّن أن شركة «تكيميرا» الكندية تنتج سراً أيضاً عقار «تي كي إم- إيبولا» TKM- Ebola، بتمويل من وزارة الدفاع الأميركية ب 120 مليون دولار. بعد الأمل الذي أثاره ذلك الشفاء العجائبي، علت أصوات مطالبة بإعطاء مرضى «إيبولا» أمصالاً تجريبيّة. ولم يتردد بعضهم في ملاحظة بُعدٍ عنصري أيضاً. إذ أنقِذ أميركيان فيما آلاف الأفارقة ينزفون ويموتون. وانطلق مسار تبدّل جذري. وفي مثال مكثّف، غيّر مكتشف فيروس «إيبولا» موقفه من معارضة استعمال أدوية تجريبية في علاج الفيروس، إلى مناشدة «منظمة الصحة العالميّة» بأن تسمح باستعمال تلك الأدوية لعلاج المرضى في أفريقيا. هل تقدم جرأة العلم وتمرّده حتى على القاعدة الأشد رسوخاً، الحل للكارثة الزاحفة التي تمثّلها جائحة «إيبولا»؟ الأرجح أن الإجابة باتت قريبة تماماً، خصوصاً بعد أن بدأت الأمصال في التدفق إلى أفريقيا، بداية من ليبيريا التي أعلنت رئيستها أن الأمصال ستصل بلادها الأسبوع المقبل.