يشهد شرق البحر المتوسط، فترة تحوّل تاريخية وتنقلب فيه موازين القوى، بطريقة تشبه ما حدث في الخليج العربي في القرن العشرين خلال الانتقال إلى حقبة النفط. بدأت هذه التغيّرات تتسارع مع ظهور تقنيات تنقيب وحفر بحري حديثة في مطلع القرن الحادي والعشرين. وبات ممكناً الحفر تحت مياه عمقها يفوق ألفي متر. وللسبب ذاته تشهد البرازيل طفرة اقتصادية مماثلة. في هذا الصدد، أعلنت إسرائيل أخيراً أن حقلي الغاز المتلاصقين، لفياثان (الذي اكتشفته إسرائيل في 2010) وأفروديت (الذي اكتشفته قبرص في 2011)، يزخران باحتياطيات قيمتها قرابة 200 بليون دولار. ويمتدان إلى المياه الإقليمية المصرية، على بعد 190 كيلومتراً شمال دمياط، بينما يبعدان 235 كيلومتراً من حيفا و180 كيلومتراً من ميناء ليماسول القبرصي. ويقع البئران في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس المختفي تحت البحر، لكن هويته المصرية مثبتة من 200 قبل الميلاد. وبدأت إسرائيل في مسلسل إعلان استخراج الغاز من أراض عربية في 2009، حين أعلنت عن اكتشاف حقل «تمار» المقابل لمدينة صور اللبنانية. وفي 2003، رسمت مصر حدودها البحرية مع قبرص من دون تحديد نقطة البداية من الشرق مع إسرائيل التي حفرت بئراً في تلك المنطقة في 2010، قبل أن ترسم حدودها بحرياً مع قبرص. وبقيت حدودها البحرية مع مصر غير معرّفة (وما زالت)، ما يفرض ضرورة رسم تلك الحدود. مع توالي أنباء التنقيب عن الغاز واكتشافاته في المنطقة، ازداد الاهتمام بقعر شرق المتوسط، ونشطت المناورات البحرية والدوريات المتعددة الجنسيات، تارة لمكافحة الإرهاب وتارة لمنع انتشار تكنولوجيا الصواريخ الموجهة. ثم ظهرت البعثات العلمية لمسح قاع البحر، وتلتها منصات الحفر البحري للتنقيب. دخلت شركات جديدة على الخط، مقابل انسحاب شركات عريقة منه، على رغم امتلاكها امتيازات في التنقيب، الأمر الذي الثلاث الأخيرة، ارتسمت ملامح ثروة هائلة من احتياطيات الغاز الطبيعي، إذ أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشاف غاز طبيعي تعدت قيمته حتى الآن 240 مليار دولار. لكنها مجرد نقطة في هذه المنطقة البكر التي يرى البعض أنها تحوي أحد أكبر احتياطات الغاز عالمياً. واللافت أن موقع «غوغل إيرث» لا يحتوي صوراً للقعر البحري في هذه المنطقة، على رغم توافر صور مُشابهة للبحار كافة!