على رغم أن العمل التطوعي في السعودية يبقى محدوداً، إلا أنه بدأ ينتشر أكثر من السابق، ويتخذ شكلاً أكثر تنظيماً واحترافية ونوعية. فصحيح أن الجمعيات الخيرية موجودة منذ عقود في المملكة، كشكل من أشكال العمل الخيري، لكنها لا تأخذ طابع «التطوع»، فالعاملون في هذه الأماكن يتقاضون أجوراً مقابل نشاطهم، وغالباً ما تكون الحكومة مصدر رواتبهم. فالفكرة إذاً بدأت بالنمو في شكل واضح، وأخذ الشباب زمام المبادرة، وبدأت مجموعات شبابية تسخّر طاقاتها وأوقات فراغها لعمل كل ما فيه خير للمجتمع وتقديم يد العون الى كل محتاج. طلاب وطالبات مدارس وجامعات، بدأوا بإنشاء مجموعات خاصة تحمل شعارات محفزة، عل يد العون تصل إلى أبعد مدى ممكن. لكن الملموس أخيراً، وفق أعضاء في هذه المجموعات الشبابية، أن نسبة الإقبال على التطوع ذات وتيرة مرتفعة، ومن مختلف الأعمار. وعلى رغم الإنجازات التي قدمتها بعض هذه المجموعات التطوعية، إلا أن ناشطين فيها يؤكدون أن العائق الأكبر هو «الصعوبات المادية». فلا مقار ولا دعم للتحرك، إضافة إلى بعض الضعف الإداري، فيبدو العمل كسفينة لم تُحكم السيطرة على دفتها ومرساتها. لميس حكاوي ناشطة في مجموعة «غير حياتك» تتحدث عن إقبال كبير للتطوع وتقبل المجتمع السعودي لهذه الثقافة، وتقول: «بلغ عدد أعضاء مجموعتنا 130 عضواً متطوعاً، تتراوح أعمارهم بين 14 و30 عاماً». وتشير لميس إلى أن العمل التطوعي الذي تمارسه المجموعة «متعدد الوجهات باختلاف قدرات أعضاء الفريق وتعدد اختصاصاتهم المهنية والتعليمية، ما أعطى المجموعة ميزة مختلفة عن بقية المجموعات، إذ تتعدد أعمالهم الخيرية مع الأيتام والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة». كانت للمجموعة مساهمات في إقامة حملات بيئية مثل «مليون زهرة وزهرة» وحملة «التبرع بالدم» والمشاركة في الأيام العالمية ك «يوم الأرض» و «يوم الأم». ولا تنكر حكاوي الحاجة إلى دعم مادي، فتقول: «غالبية الجهات، سواء أكانت أفراداً أم مؤسسات، ترفض الدعم بسبب عدم انتماء المجموعة الى جهة رسمية ولا تعمل تحت مظلة معينة»، موضحة أن اندراج المجموعة تحت إحدى المظلات الرسمية سيفقدها بعض المميزات وستقتصر أعمالها على نشاطات معينة». وتزيد: «نحن لا نريد من يحد من إبداعاتنا، لذلك لم نستعن بأي جمعية خيرية». مجموعة «معاً» التطوعية الخيرية تزيد ستة أضعاف عن «غير حياتك» من ناحية عدد الأعضاء. روان بخيت واحدة من 851 عضواً في المجموعة التي أسست قبل عامين، لكن المميز في هذه المجموعة أن معظمها فتيات، إضافة إلى أن أكبرهن لا تتجاوز ال24 ربيعاً. وذكرت بخيت أن «حب الأعمال الخيرية دفع الكثير من الشبان والشابات للالتحاق بمثل هذه المجموعات التطوعية، حتى يتمكنوا من مساعدة كل من هو محتاج وعاجز عن الحصول على حقوقه». وأشارت إلى تقديم «سلال غذائية» و «إفطارات رمضانية» للمسنين والأيتام في شهر الصوم، إضافة إلى تجهيز كسوة العيد، وتنفيذ برنامج باسم «نحو مستقبل واعد»، والمشاركة في حفلة تخرج للمعوقين، إلى جانب التعاون مع جمعية مرضى السرطان. وتنوّه بوجود تعاون جيد بين المجموعة والجمعيات الأخرى من حيث مشاركة أعضائها مع الجمعيات الاقل عدداً لتنفيذ بعض النشاطات. ودعا عضو مجلس الشورى الدكتور مشعل العلي إلى تطوير عمل هذه الجمعيات أكثر «لأنها تفتح آفاقاً كبيرة للشباب في ترجمة أفكارهم على أرض الواقع». وطالب وزارة الإعلام بتشجيع هذه الفئات التطوعية الخيرية والتواصل معها وعرض أعمالها، كما رأى أنه «لا بد من التعامل بالأسلوب الأمثل مع المجتمع الصالح، واستثمار الطاقات الشبابية من خلال تشجيع هذه الفئات». وأكد أهمية تكاتف المؤسسات الرسمية ذات العلاقات بالشؤون الاجتماعية ورعاية الشباب مع هؤلاء الشباب، وتهيئة الظروف المناسبة لهم لتنمية هذا التوجه، موضحاً أن المجتمع بحاجة إلى مثل هذه الأعمال الاجتماعية التطوعية كونها مطلباً شرعياً «وتعاونوا على البر والتقوى». كما دعا إلى منح أرضية قوية لهذه التجمعات الشبابية «حتى ترى النور وتقوى، وتبعد الشباب عن المخدرات والإرهاب والصراعات بين الشباب»، موجهاً دعوته أيضاً إلى رجال الأعمال والمؤسسات الخاصة لدعم هؤلاء الشبان والفتيات مادياً حتى يتوسعوا في نشر أعمال الخير. ودعا إحسان الطيب المدير السابق في وزارة الشؤون الاجتماعية إلى إدراج هذه المجموعات تحت مظلة الجمعيات الخيرية كونها كياناً نظامياً من خلال مخاطبة هذه المجموعات للجمعيات بالرغبة والعمل تحت مظلتها القانونية، مؤكداً أن حاجاتها ستلبى من خلال التنظيم الرسمي الذي سينتج منه دعم وزارة الشؤون لها في البرامج والمشاريع التي تنفذها وتستطيع من خلالها أن تجمع تبرعات لمصلحة أعمالها بصفه نظاميه ومنهجية خاضعة للإشراف المناسب من الشؤون الاجتماعية، اذ إن جمع هذه التبرعات من دون مظلة رسمية أمر غير نظامي.