العمل التطوعي. هذه فكرة أو ثقافة جديدة في مجتمعنا جديرة بالاهتمام والتشجيع على مختلف المستويات. الأعمال الخيرية في مجتمعنا بما تتضمنه من تبرعات مختلفة ليست جديدة، بل هي متأصلة في مجتمعنا المسلم، وانتشار الجمعيات الخيرية، وتكرار حملات التبرعات خير دليل على وجود الفعل وقدمه في بيئتنا، لكنه كان ومازال محصوراً تقريباً في الجانب المالي مع استثناءات قليلة ونادرة في مجالات أخرى، بينما العمل التطوعي أشمل من ذلك وأوسع. صحيح أن التبرع المالي يظل أساساً مهماً، ولكن الأهم هو استثمار هذا المال وتوجيهه إلى خدمات مختلفة يحتاجها المجتمع بصورة أكثر إلحاحاً من غيرها. ومؤخراً، قام المركز السعودي لزراعة الأعضاء بالإشراف على تأهيل نحو 300 طالب وطالبة للقيام بحملة لنشر معنى التبرع بالأعضاء للمتوفين دماغياً وتوضيح أهدافه وآثاره على المتبرعين والمرضى، وتأثيره في الخدمة الصحية في المملكة. الحملة انطلقت فعلاً وتواصلت مع بعض الجامعات تحت شعار \"ومن أحياها\". ونجحت وفق ما نشرته الصحف من تسجيل أكثر من 500 طالب وطالبة تبرعوا بأعضائهم بعد وفاتهم، وذلك خلال أسبوع واحد من انطلاق الحملة. هناك حملة أخرى تحت عنوان \"مليون زهرة وزهرة\" أطلقتها جمعية \"زهرة لسرطان الثدي\" من أجل تأسيس عيادات متنقلة تقدم من خلالها الجمعية خدمة أشعة \"الماموغرام\" مجاناً للسيدات في السعودية، وأجهزة هذه الأشعة قليلة، وهي أفضل وسيلة للكشف المبكر عن سرطان الثدي للسيدات فوق ال40 سنة، والحملة التي انطلقت من الرياض حصدت تبرعات سخية، ومازالت مستمرة. هناك ما لا يقل أهمية، إن لم يكن أهم، من حيث شموليته ومنهجيته، فقد بدأت وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع مؤسسة \"ديرتي الغالية الخيرية\" في جدة، مطلع الأسبوع الماضي في تنظيم حملة كبرى لإجراء أكبر استبيان من نوعه في المملكة يهدف إلى رسم خارطة طريق، وخطة استراتيجية لتوجيه العمل التطوعي وجعله أكثر فعالية من خلال تحديد احتياجات المجتمع بناء على معلومات دقيقة. الحملة بدأت لتوزيع أكثر من 300 ألف استبيان موجه لمختلف الفئات والطبقات بهدف الخروج بدراسة متكاملة عن الواقع والاحتياجات، ومن ثم تجهيز قاعدة بيانات كبرى لتفعيل العمل التطوعي، وهي – فيما أشعر – قاعدة سيكون لها دورها الإيجابي الضخم في توضيح وتحديد مجالات العمل التطوعي كما ينبغي أن يكون. هناك أيضاً مبادرات سابقة بارزة، أهمها جمعية مكافحة السرطان، وجمعية الأمير فهد بن سلمان لرعاية مرضى الفشل الكلوي، وجمعية الأطفال المعاقين، وغيرها. ولعل هناك مبادرات لا أعرفها أو لم يعلن عنها. وما أود قوله، أن هذه الأعمال التطوعية كلها تحتاج إلى أمرين مهمين، أولهما الدعم المالي، والثاني الدعم الإعلامي، ولعل توجيه الأمر الأول إليها – المال – مرهون بنجاح الأمر الثاني – الإعلام – في إيصال الرسالة. وطالما أنها أعمال تطوعية فلا بد من تضافر كل الجهود لإيصال الرسالة أولاً ومع أهمية مختلف وسائل الإعلام التي أعتقد أنها لم تغب عن بال رعاة هذه المبادرات وأصحابها، كما أنها لن تتأخر في الاستجابة، إلا أنني أعتقد أن مشاركة وزارة الشؤون الإسلامية لا تقل أهمية عن وزارة الإعلام، بل أتصور أنها أهم، فقد أثبتت التجارب أن منبر الجمعة، ومنبر الوعظ أسرع وصولاً وأبلغ تأثيراً في مجتمعنا، فلو وجهت الوزارة الأئمة والخطباء والدعاة إلى نشر وتكريس هذه الأمور التطوعية الحيوية بين الناس لتحققت نتائج إيجابية كبرى للطرفين. للعمل التطوعي، ولرسالة المسجد.