انحازت السعودية باكراً إلى الشعب السوري، واتخذت قراراً في 7 آب (أغسطس) من العام الحالي، بسحب سفيرها من دمشق. وأكدت بوضوح أنها «لا تقبل بسفك الدماء في سورية». وقال الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطاب له في اليوم ذاته: «إن مستقبل سورية بين خيارين إما الحكمة أو الفوضى». وبدت ملامح صلابة الموقف الديبلوماسي السعودي تتكشف أكثر حينما واجهت نظيرتها الروسية والصينية، وأعلن خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن استيائه لرفض كل من موسكو وبكين التصويت ضد «قرار لمجلس الأمن، كان في طريقه إلى إدانة سورية، والدعوة لموقف دولي موحد لوقف العنف فيها». وقال الملك عبدالله بن عبدالعزيز آنذاك إن التصويت ضد القرار تسبب في اهتزاز الثقة بالأمم المتحدة، ما دفع إلى التفكير في البحث عن آليات بديلة عن مجلس الأمن الذي لا يعير للمسائل الإنسانية اهتماماً. وبلغ الموقف السعودي ذروته حينما أبلغ خادم الحرمين الشريفين الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف عبر اتصال هاتفي أنه لا جدوى من الحوار الآن، وأن السعودية لن تتخلى عن موقفها تجاه سورية، وأنه كان من الأولى أن تقوم روسيا بالتنسيق مع العرب قبل استعمالها حق النقض في مجلس الأمن. الموقف السعودي الثاني بدا جلياً في 7 آذار (مارس) حينما رفضت المملكة وبشدة التصريحات الروسية التي تضمنت اتهامات بدعم «الإرهاب» في سورية، ووصفت هذه الاتهامات بأنها «غير مسؤولة»، ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر في وزارة الخارجية قوله إن وزارة الخارجية السعودية اطلعت على البيان الصادر باسم المتحدث الرسمي لوزارة خارجية روسيا الاتحادية في الرابع من شهر آذار (مارس)، المتضمن اتهامات خطرة للمملكة بدعمها للإرهاب في سورية، معبرة عن رفضها واستهجانها الشديد لهذه التصريحات غير المسؤولة والمجانبة لحقيقة حرص المملكة على التعامل مع الأزمة السورية، وفق قواعد الشرعية الدولية وعَبر مجلس الأمن الدولي المعني بحفظ الأمن والسلم الدوليين. وأوضحت الخارجية أن هذه الجهود «للأسف تم إجهاضها وتعطيلها بالفيتو، مانحة نظام الأسد رخصة للتمادي في جرائمه ضد شعبه الأعزل، بما يتنافى مع الأخلاق الإنسانية والقوانين والأعراف الدولية كافة». وواجه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل نظيره الروسي سيرجي لافروف خلال لقاء جمعهما في القاهرة، ونقل إليه رفض الرياض موقف موسكو من الأزمة السورية، مشيراً إلى أن هذا الموقف «منح النظام السوري ضوءاً أخضر للاستمرار في قمع المدنيين»، مذكراً لافروف بمواقف بلاده المناصرة للقضايا العربية. الموقف السعودي خاض معارك ديبلوماسية صعبة لنصرة الشعب السوري، وأتبعه موقف خليجي موحد كشفت عنه دول مجلس التعاون كافة بقرار سحبها سفراءها من دمشق، وطرد السفراء السوريين من أراضيها. وهو موقف تلاها فيه كثير من دول العالم خلال الساعات القليلة الماضية. إذ أعلنت كل من أميركا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وكندا وبريطانيا وفرنسا واستراليا وهولندا وبلغاريا، طردها سفراء بشار الأسد من أراضيها احتجاجاً على مذبحة «الحولة» التي راح ضحيتها أكثر من 100 طفل. وقال مصدر حكومي ألماني أمس (الثلثاء) إن ألمانيا ستطرد السفير السوري في أعقاب مذبحة الحولة، كما أعلنت الخارجية البريطانية طرد القائم بالأعمال السوري، وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند طرد سفيرة سورية لدى بلاده. وقال إنه سيتم إخطار السفيرة السورية في باريس «اليوم أو غداً» بالقرار. بدوره قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيو إن الرئيس السوري بشار الأسد يقتل شعبه ويجب تنحيه عن السلطة بأسرع ما يمكن. ونقلت إذاعة هولندا الدولية عن وزير الخارجية الهولندي أوري روسينثال قوله إن السفير السوري «شخص غير مرحب به»، فيما أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند في بيان لها أمس أن الولاياتالمتحدة قررت طرد القائم بالأعمال السوري في واشنطن رداً على مجزرة الحولة التي وقعت الجمعة الماضي. وقالت المتحدثة إن زهير جبور الذي يعتبر أعلى ديبلوماسي سوري رتبة في واشنطن أُبلغ الثلثاء بأن لديه 72 ساعة لمغادرة البلاد، وأضافت: «نحمّل الحكومة السورية مسؤولية مجزرة الحولة». وأضافت: «اتخذنا هذا القرار بالتنسيق مع شركائنا في أستراليا وكندا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا». وتابعت: «نحمّل الحكومة السورية مسؤولية المجزرة التي هي أبرز مثال إلى هذا اليوم على الانتهاكات الفاضحة للحكومة السورية لالتزاماتها حيال مجلس الأمن الدولي». وأضافت: «نشجع الدول كافة على إدانة أعمال نظام بشار من خلال اتخاذ تدابير مماثلة».