استعاد الاجتماع الذي عقد أمس في دار الفتوى في لبنان بدعوة من مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ومجلس المفتين وحضره رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة العتيدة نجيب ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة والنواب المسلمون السّنّة، «ثوابت وطنية» وضعها المجتمعون أمام الرئيس المكلف، ودعوه في ضوئها الى «التبصر في مواقفه استناداً اليها وعدم الخروج عليها». وساد الاجتماع الذي هدف الى توحيد كلمة الطائفة السّنية في مواجهة التطورات السياسية الأخيرة في لبنان، ولا سيما الطريقة التي أقيلت فيها حكومة سعد الحريري وانتزعت منها الأكثرية النيابية، جو من التوافق بين الرئيسين الحريري وميقاتي، وإذ أقرّ البيان الصادر عن المجتمعين بالإجماع، فإن التحفظ الوحيد الذي سجل خلال مناقشة المسودة جاء من عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية الوليد سكرية الذي انتقد «تسخير طائفة لمصلحة كتلة نيابية وتيار سياسي»، ودافع عن سلاح المقاومة في معرض اعتراضه على ما ورد في المسودة عن «الإصرار على الترهيب بالسلاح واستخدامه فعلاً في العمل السياسي للتعطيل أو للسيطرة»، في حين اقتصر انتقاد النائب البعثي قاسم هاشم على عدم ذكر مطلب «تحرير مزارع شبعا». غاب عن اجتماع دار الفتوى الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي، فيما اعتذر النائب محمد كامل الرفاعي عن عدم الحضور بداعي السفر. واستهل بعقد خلوة بين الرؤساء الحريري وميقاتي والسنيورة في مكتب المفتي قباني دامت نصف ساعة، انضم اليها قباني الذي أبدى ارتياحه الى أجواء التوافق التي سبقته الى المجتمعين خصوصاً انه كان، وفق مصادر دار الفتوى، يتخوف من ان ينتهي اجتماع الدار الى خلاف وهو حريص على التوصل الى موقف موحد. وكانت الاتصالات تكثفت ليل اول من امس، لتبديد أي خلاف قد يطرأ على الاجتماع وتركزت تحديداً بين ميقاتي والسنيورة وكان صلة الوصل بينهما مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار والصحافي صلاح سلام، ومالت الأمور ما بعد منتصف الليل الى التوافق. كلمة قباني وبعد انتهاء الخلوة، توجه الجميع الى قاعة دار الفتوى، واستهلت الجلسة بكلمة لمفتي الجمهورية خاطب فيها الحضور قائلاً: «أنتم جميعاً أبناء هذا الوطن، وأبناء هذه الدار، وتمثلون أيضاً أبناء هذه الدار، في سداد رأيكم مآل أمورهم، وفي قراراتكم يكمن مصيرهم، ومآل أوضاعهم، في وحدتكم وحدة المسلمين وخيرهم، وفي تباعدكم هوانهم، أنتم إخوة في الوطن مهما تباعدتم». ورأى أن «ما أصاب وطننا لبنان، خلال السنوات الست الماضية، من حالات عدم الاستقرار السياسي المتكررة والمستمرة، ومنذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أصاب الوطن في كيانه والمواطن في رزقه حتى تقهقرت حالنا، لذلك كان لا بد لنا من لمّ الشمل اليوم في هذه الدار، بعد ما آلت الأمور في الآونة الأخيرة في وطننا لبنان إلى ما آلت إليه، للنظر في أمرنا، وللتداول في شؤوننا، لنجتمع على ثوابت ومقررات، نضعها معاً ونلتزم بها نهجاً ومنهاجاً، يكون الدستور روحها، ومصلحة الوطن والمواطنين في صلبها، ووحدتنا نتيجتها». ودعا قباني الى «ان نضع نصب أعيننا أن اللبنانيين جميعاً، مسلمين ومسيحيين، سنّة وشيعة، وحدة متكاملة في هذا الوطن، تربطهم تلك الوحدة الوطنية الجامعة، وترعى شؤونهم وثيقة اتفاق الطائف وميثاق العيش المشترك، لا فضل لأحدنا على الآخر إلا بمقدار خدمته لوطنه، وبمقدار محافظته عليه، وأننا أبناء هوية واحدة، وأبناء أرض واحدة، وأبناء وطن واحد، هويتنا عربية، وأرضنا عربية، ووطننا لبنان، وأنه لا عدو لنا في هويتنا وأرضنا ووطننا إلا الصهاينة المغتصبين أرضنا العربية فلسطين». وأعلن افتتاح الجلسة. مداخلات ثم تلا الشيخ عبداللطيف دريان مسودة البيان، وتوالى على الكلام الرئيس الحريري، الذي أكد انه «هنا غير مرشح لرئاسة الحكومة وحاضر كنائب»، وتحدث عن الطريقة التي سقطت فيها الحكومة والتكليف وعدم موافقته عليها، ورأى «أننا أمام وضع حساس ودقيق»، وقال: «ثوابتنا لا تتعلق بالظرف الحالي وانما لها علاقة بالمستقبل وما حصل يخالف ثوابتنا الوطنية». وإذ أشار إلى أنَّ «مبدأ تداول السلطة أمر مقبول بالنسبة إلينا»، اعتبر أنَّ «الإشكالات في المرحلة الراهنة تتمحور حول ثلاثة أمور، أولها، تحقيق الغلبة من طريق القوة، ثانياً، التنكر لنتائج الإنتخابات، ثالثاً، المحكمة الخاصة بلبنان». وأعلن ميقاتي في مداخلته انه يوافق على مسودة البيان «وأثني عليه ونحن حريصون على ألا يكون هناك استفراد ولا تفرد لأحد وكلنا بحاجة الى بعضنا بعضاً ولا أحد يلغي أحداً وهذه الثوابت انا معها». ثم أكد السنيورة في مداخلته الحرص على الحوار، ورأى «ان هناك ثمة من خالف ما توصلنا اليه في جلسات الحوار»، وتحدث عن 7 آيار (مايو) وعن الظروف التي أحاطت بإسقاط الحكومة والتكليف، وأكد أن «المسألة ليست صراعاً على الحكومة بين الرئيسين الحريري وميقاتي إنما حول كيفية التعامل مع الآخرين استناداً الى الثوابت الوطنية التي كثر خرقها خلال السنوات الماضية ولا بد من وقفة لأن التنازل عن الأولويات لا يجوز لأن الوطن والدولة ينهاران وما حصل في الأسبوعين الأخيرين يدل الى ان هناك من لا يراعي حرمة لأي شيء ونحن كلنا مع السلم الأهلي والحوار ولا نفهم لماذا يلجأون الى التهديد بالسلاح والتزاكي والنزول الى الشارع». وأشار الى أن هدف الاجتماع «التذكير بالثوابت الوطنية والإسلامية ونحن لا نستهدف أحداً لكن هناك ظواهر تدعو الى القلق وهي كثيرة ويجب التنبه لها». وخلال المناقشة تحفظ النائب سكرية عن موضوع السلاح واعتبر «ان المجتمعين يستهدفون سلاح المقاومة»، وانتقد في هذا السياق بيان المفتين الأخير، وردّ عليه المفتون الحاضرون بشدة، وأكد مفتي البقاع خليل الميس انهم مع المقاومة «وعندما كنا نتكلم عن المقاومة لم تكن المقاومة الحالية قائمة». ورد سكرية بأن ثمة مشروعاً لتفتيت المنطقة وبعد العراق قد يأتي دور لبنان، فرد الشيخ الميس بالقول: «نحن لا نتكلم عن المقاومة وإنما عن السلاح الذي نزل الى الشارع». البيان الختامي ودار نقاش في مسودة البيان، وتمت الموافقة بالإجماع عليه وتلاه نائب رئيس المجلس الشرعي الوزير السابق عمر مسقاوي وجاء فيه: «حفلت السنوات الماضية من حياة لبنان الوطن والدولة والعيش المشترك بأمور وظواهر عدة رأينا فيها نحن المسلمين اللبنانيين ما يشكل خطراً على الدولة، والسلم الأهلي، وعلى أصول المشاركة السياسية في النظام بين المكونات الوطنية، وتأكيداً على الالتزام الوطني بالدولة والدستور والنظام العام، رأينا أن من واجبنا وحقنا التنبيه إلى هذه المخاطر وتأثيراتها السلبية على الاستقرار، وتضامن اللبنانيين ووحدتهم، وعلى العلاقات بين طوائف البلاد وفئاتها، وحرصاً منا على حماية النظام العام على أساس وثيقة الوفاق الوطني رأينا تأكيد الثوابت الآتية: أولاً - في الدولة: تلاقى اللبنانيون على اختلاف فئاتهم وطوائفهم ومذاهبهم على إقامة الدولة التي تصون الوطن، وترعى العلاقات والمشاركة الصحيحة والعادلة بين مكونات البلاد الطائفية والوطنية، من خلال نظام ديموقراطي، يضمن التنوع داخل الوحدة، بحيث لا يتناول الخوف، أو الغبن، أو الاستبعاد، أو الإقصاء، أياً من تلك المكونات، وما توصل اللبنانيون إلى كل ذلك دفعة واحدة، بل عبر مراحل متعددة، وحروب ونزاعات ونضالات، ساهمت دروسها وعبرها في الوصول إلى وثيقة الوفاق الوطني في الطائف (عام 1989)، والتي تأسس عليها الدستور الحالي بروحه ونصوصه المعروفة، والتي لا يجوز تجاهلها أو الخروج عليها، حفظاً للاستقرار، وفق الآليات المتفق عليها داخل النظام. راعت وثيقة الوفاق الوطني مصالح جميع اللبنانيين على أساس تعدد المكونات ووحدة المواطنة معاً، وفتحت الأفق على تطوير النظام والتقدم من خلال آلياته وأعرافه باتجاه اكتمال إقامة الدولة العربية الحرة والمدنية الحديثة، ويمر نظامنا اليوم في مرحلة دقيقة وحساسة بسبب ما تعرض له منذ الطائف من استنزاف وتعويق واستضعاف من الداخل والخارج، وما شهده من خروج عن القواعد أو محاولة تغييرها بقوة الأمر الواقع، وهذه أمور ينبغي التفكير فيها والتحسب لها، ومراجعتها من دون تعسف أو استخفاف. إن النظام الوطني الديموقراطي اللبناني لا يجد منافذ وآفاقاً للتحقق والتطور بسبب تفاقم التجاوزات والأطماع باسم طوائف ولمصلحة قوى مهيمنة فيها، تعمل على إخضاع الآخرين لمنطقها السياسي، في تجاوزات للدستور أو للنظام العام، فتعتمد تارة الالتفاف عليهما، وتارة أخرى الغلبة بالسلاح، وهدفها دائماً التلاعب بالأولويات التي ينبغي القيام بها لاستكمال تطبيق الدستور. وهذا فضلاً عن رفع الصوت بأوهام الأعداد والحجم، إن الثابت لدينا في الأمر الدستوري هو تنفيذ الدستور الحالي بنصه وروحه، وتطبيق نصوصه كاملة من دون انتقاص أو انتقاء. العيش المشترك ثانياً - في العيش الوطني الواحد: كان العيش الوطني الواحد ولا يزال هو القاعدة التي قام عليها لبنان واستمر على رغم كل الصعوبات الداخلية والخارجية. وأساس ذلك العيش الشراكة الكاملة على أساس المناصفة في التمثيل السياسي، والمشاركة في بناء المؤسسات، بين المسيحيين والمسلمين. وعماد تلك المشاركة هو التزام الطوائف بالنظام، والتمثيل الصحيح لكل الفئات، والتمثيل الوازن داخل الطوائف، واحترام خصوصيات الآخرين ما أمكن لكي يظل التوازن في النظام السياسي عاملاً مهماً بين عوامل الاستقرار والأمان للجميع، وذلك لأن الإحساس بالغبن أو بالإقصاء عند أي جماعة على المستوى الوطني العام أو الطائفي الخاص، يولد انعزالاً داخل الطائفة المعنية، ويقابله انكماش وتحفز داخل جماعة أخرى أو أكثر، وأدى ذلك دائماً إلى تهديد الاستقرار الوطني، وحدوث النزاعات التي عانى منها اللبنانيون كثيراً. ثالثاً - في المكونات الوطنية للنظام: أقام النظام اللبناني، وبالتوافق بين المسلمين والمسيحيين شراكة في تكوين السلطة وفي إدارتها، وهكذا كان رئيس الدولة ولا يزال مسيحياً مارونياً، ورئيس مجلس النواب أو السلطة التشريعية مسلماً شيعياً، وكان من مسؤولية أهل السّنّة تولي منصب رئاسة الحكومة قبل الطائف وبعده، وما كان ذلك امتيازاً بقدر ما كان ولا يزال دوراً ومسؤولية، فرئيس الحكومة في ديموقراطيتنا، باعتباره رئيس السلطة الإجرائية، هو وحده الذي يتعرض للمساءلة والمحاسبة من بين رؤساء المؤسسات الدستورية، وتستند قدرته على القيام بمهماته، وتمتين التواصل بين المكونات الوطنية إلى صلاحياته الدستورية، وإلى قوته التمثيلية في بيئته اللبنانية الخاصة، وفي المدى الوطني العام. المحكمة والعدالة رابعاً - في التسامح والعدالة: تخللت المسار السياسي للنظام اللبناني نزاعات كثيرة ناجمة في الغالب عن الخروج من جانب جماعة أو أكثر عن النظام من خلال عدم الالتزام بآلياته، أو ناجمة عن الاستقواء أو متأثرة بالغايات التي لا يستطيع النظام قبولها أو التسليم بها إلا بخرق أسسه وقواعده، وأدت هذه الاختلالات إلى فتح الباب أمام اعتبار الاغتيال وسيلة مباحة للتخلص من الخصوم من دون أي مراعاة للمساءلة أو للمحاسبة والعقوبات، وبعد كل اغتيال، كانت تحدث المسامحات الشكلية والتسويات التي تقوم على الخوف أو الغلبة. أما الواقع فإن هذه المآسي التي دمرت الحياة السياسية، ووترت العلائق بين مكونات لبنان وفئاته وصدعت بنيانه الوطني، ما نسيت ولا غفرت، ولا يمكن أن تتحرر الحياة السياسية، ويتأكد الاستقرار الوطني، والعلاقات السليمة والسلمية بين الفئات والتيارات السياسية إلا بضمان حق الاختلاف وحرية الرأي وتحقيق العدالة، تعرضت فئات واسعة من اللبنانيين من علماء وسياسيين وإعلاميين ومثقفين، كان منهم الرئيس رشيد كرامي والمفتي الشيخ حسن خالد وكوكبة من الشهداء اللبنانيين البررة، ثم كانت عاصفة الاغتيالات الهوجاء التي بدأت باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما تبعها من جرائم اغتيال، إن كل ذلك هو الذي حتم لجوء اللبنانيين إلى العمل والتمسك بمبدأ إقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، تحقيقاً للعدالة، وصوناً للحق في الحياة الحرة والآمنة، وحماية لحرية العمل السياسي والإعلامي وضمان الاستقرار الوطني. خامساً - في الدولة اللبنانية الواحدة: تعاهد المسلمون والمسيحيون في ما بينهم على شراكة عمل وطني، في بناء الدولة المدنية، دولة العيش المشترك، والمواطنة والمساواة وحكم القانون، وعدم تأجيل ذلك أو تعليقه (قارن ببيان الثوابت العشرة الصادر عن اللقاء الإسلامي الموسع في دار الفتوى عام 1983). إنها دولة الهوية والانتماء العربيين والوطن النهائي للبنانيين جميعاً، كما أقر في دستور الطائف، وهم يعتبرون هذا الانتماء التزاماً مبدئياً وعلى أساسه كان العمل مع شركائهم في الوطن وكان لبنان مبادراً في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية. وهو لا يزال ضمن الإجماع العربي الذي هو خيارنا في كل شأن ضمن الطموحات الكبرى للأمة العربية، وهم لذلك يعملون ضمن المؤسسات الدستورية، على تجنب سياسات المحاور أو أن تكون بلادهم ساحة مفتوحة للصراعات، ويدعمون العمل العربي المشترك من أجل صون المصالح العليا للأمة، ومن أجل استقرار لبنان وتقدمه. القضية الفلسطينية سادساً - في القضية الفلسطينية: كانت قضية الشعب الفلسطيني ولا تزال قضية العرب الأولى، وشارك المسلمون، شأنهم شأن بقية اللبنانيين والعرب الآخرين، الإخوة الفلسطينيين في نضالهم من أجل التحرير من الاحتلال الإسرائيلي وحق العودة ومنع التوطين وإقامة الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين وعاصمتها القدس، وهذا الالتزام ثابت في عروبتهم وعروبة لبنان، كوطن ودولة وممارسة سياسية ومن خلال الدولة اللبنانية، لذا فإن القضية الفلسطينية هي المحور الذي يعلو على سياسات المحاور والأحلاف والاستغلالات، ومن هنا فإن التزامنا دعمَ الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل التحرير هو الأساس الذي تبنى عليه المواقف ضمن الإجماع العربي، إن مقاومة المشروع الصهيوني متعددة الجوانب والأساليب والطرق وهو التزام على الأمة وكان لبنان دائماً في طليعة المبادرين إليها والعاملين عليها وهو في أساس وحدة الأمة ونضالها في مواجهة هذا المشروع. العلاقة مع سورية سابعاً - في العلاقات مع سورية: اعتبرنا دائماً أن الروابط الوثيقة مع سورية جزء لا يتجزأ من هويتنا العربية الواحدة، وهذا ما أكدته وثيقة الوفاق الوطني لجهة العلاقات المميزة بين لبنان وسورية، وإننا من موقعنا الوطني والقومي لن نوفر جهداً من أجل ضمان أن تستعيد هذه العلاقات طابعها الأخوي، خارج التأزم الذي عرفته في السنوات الأخيرة، والاختلالات المزمنة في الحقبة التي سبقتها، وذلك من أجل الوصول إلى التكافؤ في الحقوق والالتزامات بين الدولتين الشقيقتين سواء في السياسة أم في الأمن القومي المترتب على أزمات المنطقة، ومشكلات العلاقات الإقليمية والدولية. ثامناً - في الشرعية الدولية: يتمسك اللبنانيون والمسلمون من بينهم ومن خلال الدولة بمفهومها الوطني والسيادي، بالعلاقات المنفتحة والمتصالحة مع المجتمع الدولي والتزاماتها، وبالاستظلال بالشرعية الدولية، ومواثيق الأممالمتحدة، ومبادئ عدم الانحياز، ويأبون الدخول في سياسات الأحلاف والمحاور الإقليمية والدولية، والتي كانت دائماً بين أسباب الخلافات والانقسامات في الداخل اللبناني، وفي الداخل العربي. تجاوز الدستور والقانون تاسعاً - في المجريات الراهنة: استناداً إلى ما سبق، فإن تجاوزات السنوات الست الماضية، والتي تتضمن خروجاً متكرراً على قواعد النظام السياسي بدءاً من أسلوب التعامل مع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشهداء الآخرين، مروراً بالتراجع عن إجماعات الحوار الوطني، واجتياح بيروت بعد حصار للحكومة وإقفال للمجلس النيابي، وما حدث أخيراً من تعطيل مبرمج لعمل حكومة الوحدة الوطنية ثم إسقاطها، والتمادي في تكرار الأسلوب ذاته. إن كل ذلك التجاوز والخروج على الدستور والقانون، يخل بقضايا عدة هي في أساس النظام اللبناني، والعلاقات بين اللبنانيين: أ - إننا نرى في أسلوب الإسقاط لحكومة الوحدة الوطنية بعد التعهد بعدم الاستقالة، وفي ملابسات التكليف، خروجاً على مسائل مبدئية، يستحيل التسليم بهما عرفاً أو ميثاقاً، بصرف النظر عن أسماء الشخصيات المعنية ومزاياها الخاصة والعامة. لأن الإقصاء والظروف المحيطة بالتكليف فيهما الكثير من التجاوز والإخلال، والتجاهل لإرادة الناخبين والتعدي على خياراتهم التي مارسوها اقتراعاً بحرية في انتخابات وطنية عامة في عامي 2005 و2009، ما أدى إلى تشويه قواعد النظام السياسي، والإخلال بأسس الوفاق الوطني. ب - إن أي تخلٍّ سافر أو مضمر في برنامج عمل الحكومة المنوي تشكيلها عن التزامات لبنان تجاه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، يشعر أهالي الشهداء والغالبية من اللبنانيين، بالغلبة والقهر والتشفي والاستفزاز والتخلي عن حقهم بالعدالة بما يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان، وحقوق المواطنة. ج - إن طريقة عملية الإسقاط والظروف المحيطة بالتكليف والذرائع التي استخدمت خلالها، وازدواج المعايير، تعيد جميعها إلى ذاكرتنا ممارسات خبرناها في مراحل عدة من تاريخنا السياسي القريب. وهذا الأمر يزيد من حجم الاحتقان ومن شدته داخل صفوف اللبنانيين، بعد التجارب القاسية التي عانوا منها خلال السنوات الماضية. وهكذا تجتمع لدينا اعتبارات عدة تثير القلق والتساؤل، وهي: - الإصرار على زج لبنان في سياسات المحاور. - الإصرار على الترهيب بالسلاح واستخدامه فعلاً في العمل السياسي للتعطيل أو للسيطرة. - الإصرار على تجاهل نتائج الانتخابات الوطنية الديموقراطية في عامي 2005 و2009 وتعطيل مفاعيلها التمثيلية. - الإصرار على تجاهل إجماعات الحوار الوطني. - الإصرار على تعطيل العدالة، وعلى التنكر لدماء الشهداء. إننا إذ نلفت انتباه اللبنانيين جميعاً، إلى الممارسات المخالفة لروح الدستور وللقانون وللعيش الوطني الواحد، خلال السنوات الماضية وإلى مغزاها وأبعادها الخطيرة وما نتج منها وترافق معها من صدمات متلاحقة، نذكّر بالآثار السلبية لهذه التصدعات على وحدة اللبنانيين، وعلى العلاقات بين اللبنانيين جميعاً، وعلى النظام العام. وبناء عليه نطالب الرئيس المكلف بالتبصر في مواقفه استناداً إلى هذه الثوابت الوطنية وعدم الخروج عليها». ولفت البيان الى ان هذا «التذكير بالثوابت، جاء لأننا نعتبر أنفسنا معنيين بتجنيب وطننا وعيشنا المشترك وجماعتنا، المزيد من الانقسامات ووجوه التفرق والاختلال. ونحذر من كل هذا العبث والتلاعب بمصائر الوطن والدولة والمجتمع الذي لا يقبله اللبنانيون الحريصون على السلم الأهلي، وعلى التوافق الوطني، ولا نظن الرئيس المكلف يقبله». غداء «بيت الوسط» وكان الحريري وفي مستهل الاجتماع دعا الحضور جميعاً الى مأدبة غداء يقيمها على شرفهم في «بيت الوسط»، ولدى انتهاء الاجتماع توجه الحريري وميقاتي والسنيورة في سيارة واحدة الى «بيت الوسط»، وبعد لقاء قصير حضره الوزير محمد الصفدي والنائب أحمد كرامي، اعتذر ميقاتي عن عدم حضور المأدبة بسبب التزام مسبق، وغادر. واعتذر أيضاً عن تلبية الدعوة النائب تمام سلام لارتباط مسبق، والنائب أحمد كرامي، فيما غاب عن المأدبة النواب: سكرية وهاشم وعلاء الدين ترو. وكان سكرية أدلى بملاحظات بعد انتهاء الاجتماع فقال للصحافيين انه «جرى تسليم البيان المعدّ مسبقاً أثناء عقد الجلسة، ولم نكن مطلعين على ما ورد فيه، لذلك، أبديت اعتراضي أنا وزميلي النائب قاسم هاشم على العبارة التي تناولت «الاستقواء بالسلاح لدى بعض الأفرقاء لفرض إملاءاتهم على الدولة»، لأن المقصود بهذه العبارة هو سلاح المقاومة التي نرى أنها حرّرت لبنان وأعادت له سيادته الوطنية، وللأمة العربية كرامتها. وفي حين أننا أكدنا خلال جلسة اللقاء على إجراء تحقيق عادل شفاف في التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإننا نؤكد عدم تسييس هذا التحقيق، ونشدد على ضرورة محاكمة شهود الزور كمدخل لكشف الحقيقة في هذه الجريمة، أما بالنسبة الى البند الوارد في البيان المعد مسبقاً والمتعلق برئاسة الحكومة وضرورة إسنادها الى الكتلة الأكثر عدداً من نواب سنّة، فإننا نقول ان رئاسة الحكومة لا تمثل طائفة بعينها، مثلها مثل رئاسة الجمهورية، حيث إن الموقعين الرئاسيين يمثلان الشعب اللبناني بأكمله».