مثلّث الأحداث في «تويتر» السعودي هو مجزرة الأطفال في سورية، الانتخابات المصرية، فتاة المناكير. الغاضبون الثائرون على قاتل الأطفال في سورية غاضبون أيضاً على فتاة المناكير، يريدون أن يسحلوها ويخرسوها وينقذوا أطفال سورية. هذا الحس الإنساني المشبوب بالألم من أجل أطفال تموت ورغبة الانتقام لهم، هو حس أخلاقي رفيع من دون شك، لكن الأخلاق لا تتجزأ بحيث ترى احتجاج فتاة صغيرة على طردها من السوق قلة حياء، وانتصارك لأطفال يقتلون شهامة. شابان كتبا في صحيفة «الشرق» عن فتاة المناكير، فأحدهما يلومها ويسمّيها «الملسونة» (أي طويلة اللسان)، لأنها جادلتْ رجل «هيئة» في طردها من مكان عام، بل وهنّأ رجال «الهيئة» الذين تمتعوا بالحلم وصبروا عليها، والكاتب الآخر اختلف عنه فكان مأخذه على رجل «الهيئة» أنه لم يبدل من موقفه ويصير ألطف عندما عرف أن الكاميرا تصوره، لأن الصورة أبلغ من الخبر. «تويتر» صار بديلاً عن الشارع السعودي المفقود، لهذا عليك أن تحذر من أن تقف في وجه غضبه الذي بدا مثل وعي طفل ساذج اكتشف الحقيقة لتوه فانهار. هذا الغضب الطفولي ذكرني بمشهد مسجّل في «يوتيوب» لطفل سعودي. فبينما إخوته حوله يلعبون الكرة كان هو يفتح شاشة الكومبيوتر وينبطح على بطنه، واضعاً يده تحت ذقنه، وراح بصوت مبحوح على طريقة صراخ الخطباء يزأر: «سورية تموت. سورية تموت»، ثم يشتم بشار الأسد بطريقة طفل. ولو تأملت بقية المشهد لسمعت صوت التلفزيون يصب شلالاً من الأخبار عن القتل في سورية، وصوت أم الطفل، وهي تتحدث مع رجل آخر يسألها: «وش الأوضاع في سورية؟» فتقول «ادعوا لهم، ادعوا لهم». والطفل في وسط هذا الجو المحتقن يقول: «سورية تموت. سورية تموت. يا بشار يا حيوان يا كلب». البارحة جاءت صور مجزرة الأطفال فاجعةً، أمام أناس عاشت سنة ونصف السنة، على مشاهد قتل وسحل وتقطيع وهدم بيوت، فانتفضوا بألم، فيما ظلت الأخبار مستمرةً عن تخاذل الدول ورفض اتخاذ موقف إنساني من كل ما يحدث. الجامعة العربية تنهار وظيفياً، وتقف كتلميذ فاشل بامتياز، المراقبون الدوليون، يتبدلون، والنتيجة واحدة. قافلة المراقبين الدوليين تتعثر في قصف، لكنها تستمر تفتش عن دليل على أن هناك قصفاً. الضحايا هناك يجرُّونهم من أيديهم، كي يدلوهم على الأدلة، هذا قتيل، هذا بيت مدمر، لكن الفرقة الدولية مستمرة في البحث، حتى تشك بماذا تفتش هذه الفرقة الدولية، حتى صور الأطفال القتلى فاتت عليهم، ولا يزال بحث المراقبين الدوليين مستمراً. فشل الجامعة العربية والمراقبين الدوليين والأنظمة الدولية مجتمعةً هو ما جعل شعب «تويتر» يفتح شاشة كومبيوتره مثل ذاك الطفل، ويجلس قبالتها صارخاً بصوت مبحوح: «سورية تموت. سورية تموت». الخوف كل الخوف هو أن يختطف هذا الاحتقان العاطفي نجوم الشارع في «تويتر» لمصلحة الطائفية وليس العدل ولا لحرمة قتل الإنسان وحق التعبير، ليقودوهم نحو حرب أهلية أخرى. والخوف أن يدخل هذا الشحن في مزايدات ومتاجرات يعشقها جمهور هذا الشارع الذي لا يؤمن بحق الإنسان في العدالة والكرامة والتعبير إلا إذا كان لهم.