«يا جماعة. ده مش تقرير للتلفزيون الرسمي. ده تقرير لصالح قناة خاصة. قناة «المحور» الخاصة»... ارتسمت علامات التحدي على وجه مذيع الفضائية المصرية، وهو يقدم التقرير الذي ظهرت فيه «ناشطة سياسية» عبر برنامج «48 ساعة»، اتهمت فيه «يهوداً» ب «تدريبها مع شبان من جمعيات المجتمع المدني والأخوان المسلمين في واشنطن والدوحة لتنظيم تظاهرات ضد الحكم في مصر، وافتعال شغب ضد رموز النظام الحاكم». التحدي بدا أنه يردّ على الانتقادات التي حاصرت التلفزيون الرسمي في تغطيته للتظاهرات في مصر، وكأنه جاء ليقول إن اهتزاز ثقة المواطن بقناته المحلية لا أساس له، والدليل في هذا التقرير الذي يوجّه أصابع الاتهام الى يد خارجية تبتغي أن تعيث فساداً في البلد. أما مصداقيته فتنبع من كونه يحمل توقيع قناة خاصة، وإن كان معروفاً أن القناة يملكها أحد أفراد الحزب الحاكم. يومها اعتبر كثر أن اعتراف الفتاة، المموهة صورة وصوتاً، نكتة لم يُحسن أصحابها صياغتها في شكل يرضي عقل المتلقي، خصوصاً حين أجابت «شيماء»، كما أطلق عليها في برنامج «المحور»، أن ضميرها صحا بعدما «تأثرت بخطاب الرئيس حسني مبارك، وشعرت بأنه بابا، وأنا أقول له أنا آسفة يا بابا، وما ينفعش بعد كل اللي عملوا إني أقولو اطلع برا». نكتة بدت أنها انطلت على الفضائية المصرية، فروّجتها قبل أن ينكشف أمر «شيماء» التي ليست إلا صحافية مصرية أقرّت، كما نقلت الصحافة المصرية، أن القصة برمتها مفبركة بالاشتراك مع معدي برنامج «48 ساعة» على «المحور»، ما كلّفها خسارتها وظيفتها في جريدة «24 ساعة» بين أمور أخرى. لا يهمّ كثيراً هنا، الجانب السياسي من الموضوع ومحاولات ربط التحرك الشبابي بإسرائيل و «اليهود». ما يهم هو كيف أن الإعلام، خصوصاً المصوّر منه، يمكنه أن يفبرك إشاعة كما يشاء، ثم حين تنكشف، لا يحاسبه أحد، مهما كانت خطورة لعبته. يعتبر الأمر أشبه ب «خطأ» مطبعي. وحتى حين تُكذِّب الشاشة نفسها «الخبر» الذي كان يقيناً، لا يؤدي هذا الى محو الإشاعة كلياً. بل قد يقول كثر: مؤامرة إضافية جرت تسويتها لإخفاء الحقيقة... وفي هذه الحال تكون المؤامرة، أيضاً، إسرائيلية! يحدث هذا كثيراً. ليس في بلداننا فقط، بل في دول متطورة أيضاً. ولا يعتقد أحد أن في الإمكان التخلص من ظواهر كهذه. غير أن النتيجة تكون دائماً، تقليص ثقة المتفرجين بالمحطات، الى درجة بتنا نسمع كثيراً، معها، حلول تعبير «كلام تلفزيونات» بدلاً من التعبير القديم «كلام جرائد». والمؤسف في هذا كله، أن فقدان الثقة بالكلمة المطبوعة يظل أخف وطأة بكثير من فقدان الثقة ب «الصورة»، لأن من خصائص الصورة أنها دائماً على حق، وهي ليست كذلك.