أثار «تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009» الذي أطلقه برنامج الأممالمتحدة الإنمائي في مؤتمر صحافي في السراي الحكومية في بيروت صباح أمس، تحت عنوان: «تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية»، موجة من الأخذ والرد بين كل من الجامعة العربية والأممالمتحدة والمشاركين من إعلاميين ووفود عربية.ففي حين هاجم الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير عبد الرحمن الصلح ما ورد في التقرير (الذي نشرت «الحياة» موجزاً عنه أمس)، مدافعاً عن «الجوانب المضيئة التي تدعو الى نظرة أكثر تفاؤلاً لمستقبل التنمية في الدول العربية»، ومشيراً بحزم الى «مسألة لا يمكن القبول بها تحت أي ظرف من الظروف، وهي إشارته الى أن حركة التحرر الفلسطيني تجند الأطفال»، ضربت الأمين العام المساعد للأمم المتحدة المدير الإقليمي لمكتب الدول العربية في برنامج الأممالمتحدة الإنمائي أمة العليم السوسوة على وتر «عربي» حساس، إذا لفتت الى أن اختيار التقرير لأربع دول عربية فقط هي الأراضي الفلسطينية ولبنان والمغرب والكويت، بسبب «رفض دول عربية عدة السماح لنا بإجراء استبيان أو استطلاع آراء مواطنيها حول هذا الموضوع»، موضحة أن «بعض الدول ترى أن مجرد السؤال فيه تدخل في الخصوصية». وفيما سلط التقرير الضوء على مشاكل الأمن في دول العربية، وتطرق الى كون «أجهزة الدولة تمارس انتهاكها حقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني»، واضعاً الإصبع على جرح مزمن، من دون أن يقدم أي حلول، عكست التوقعات في جلسة النقاش بأنه سيذهب مذهب ما سبقه، فلا يغير شيئاً في الواقع القائم عربياً. كلوفيس مقصود وتحدث خلال اطلاق التقرير عضو المجلس الاستشاري كلوفيس مقصود، مشيراً الى أن التقرير «استوعب ما يهدد الأمن الوطني والقومي من جهة، وما يهدد امن الإنسان من جهة أخرى»، مؤكداً أن «تهديدات امن الإنسان لا تكون فقط نتيجة جرائم ترتكب وحسب، بل أيضاً نتيجة شيوع أدوات القمع والتهميش لأنها تؤدي الى شعور بالإذلال الذي بدوره يقارب مفارقة الحياة». وانتقد الممارسات الإسرائيلية «في حق الفلسطينيين وفي حق أمن دول الجوار وأمن المناعة العربية»، مؤكداً أن «السلام الدائم لن يتحقق إلا بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي التي استولت عليها عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية»، ومشيراً الى أن «ما يوفره هذا التقرير هو مساهمة رئيسية بتأهيل نظام الحكم والمجتمعات في البلدان العربية لاستيعاب المتغيرات». الامين العام المساعد للجامعة العربية وفي كلمته، اعتبر الصلح أن «التقرير لجأ الى اطلاق الأحكام من دون سند»، معتبراً أن «ما أشار إليه أن أغلبية البلدان العربية لم تنجح في تحقيق العدالة في توزيع الثروة واحترام التنوع الثقافي لم يأخذ بالحقائق الموضوعية»، مستشهداً بالتقرير الصادر عن البنك الدولي عام 2004، وفيه أن «العقود الاجتماعية في الدول العربية حققت على رغم مما اعتراها من مشكلات وانتكاسات مختلفة مستويات غير مسبوقة من النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية». كما اعتبر أن التقرير «حفل بالقفز فوق النتائج والواقع إذ أشار الى انتشار ظاهرة الاتجار بالبشر في البلدان العربية»، وأن «ما أشار إليه عن أن حركة التحرر الوطني الفلسطيني تجند الأطفال متطوعين أو مرغمين لأداء أدوار اسنادية في كفاحها ضد الاحتلال هو أمر لا تعوزه الدقة العملية فحسب، بل يتنافى مع الذوق العام، ولم يسبق لأي تقرير صادر عن الأممالمتحدة أو سواها أن ألصق هذه الفريّة بحركة التحرر الوطني الفلسطيني». ورأى أن «هذه الإشارة تتضمن الإيحاء بأن اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي الصارخة على الأطفال الفلسطينيين هي بسبب كونهم طرفاً في المقاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال». ورأت السوسوة أن «الرسالة التي بعثها لبنان من خلال الانتخابات النيابية الأخيرة والتي حازت على احترام العالم وتقديره، دليل إضافي على أن الديموقراطية والسلام أمر ممكن في منطقتنا». السنيورة وأخيراً، خاطب رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة الحاضرين قائلاً إنّ «أهميةَ هذا الموقِع الذي تُطْلِقونَ منه حوارَكُم هو أنه موقعٌ بُنيَ على الحوار والتلاقي وتداول السلطة، فهو بيتُ جميعِ اللبنانيين وأنا أؤمنُ بكلمةِ وسياسة التلاقي والحوار والتشاور ولا أؤمنُ بسياسة وكلمة الطلاق. ففي أصعَبِ الأَوقاتِ كان الحوارُ والاعترافُ بالآخَرِ هو نهجُنا وخَطُّنا ومَسارُنا. هكذا كان وهكذا سيبقى». وأضاف: «تركّز الاهتمامُ الإعلاميُّ لغالبية الأنظمة العربية ونُخَبها على مدى عقود طويلة ماضية على موضوع التحرير واستعادة الأرض. بل في الحقيقة إنّ الإمساك بالسلطة السياسية كان يتم تحت شعار العمل من اجل تحرير الأرض المغتصَبة. لكنّ النتيجةَ التي توصلْنا إليها بعد ستة عقودٍ أو أكثر أنّ هذا الجَهدَ العربي المضني لم يؤد إلى تحرير فلسطين واستعادة الأرض»، مؤكداً أن كلامه «لا يعني التخلّي عن استعادة الأرض المحتلة وتحرير فلسطين بل على العكس من ذلك. بل إنّ كلامي يعني بكل بساطة ضرورة إعادة النظر وبشكل جذري بالأساليب والطرق التي كانت معتمدةً في السابق في العمل لاستعادة الأرض وفي العمل لتحصين امن المواطن العربي موضوع تقريركم». وشدد على «إعادة النظر وفي شكل جذري بالأساليب والطرق التي كانت معتمدةً في السابق في العمل لاستعادة الأرض وفي العمل لتحصين أمن المواطن العربي موضوع تقريركم»، مؤكداً أنه «من دون النجاح في الوصول إلى حل لأزمة الصراع العربي الإسرائيلي حلاً نهائياً وعادلاً لن نتمكّن من حماية الأمن الإنساني العربي». وقال: «المقولة التي سادت على مدى عقود طويلة أَنه «لا صوتَ يعلو فوق صوت المعركة» دفعت الكثير منا إلى قبول الكثير من التجاوزات التي كانت ترتكب باسم الأولوية للمعركة الأساس. هذه التجاوزات للكثير من المبادئ والقيم التي تتوق إليها مجتمعاتنا العربية لم يعد بالإمكان التغاضي عنها وعن تداعياتها المرة». ورأى أن «استمرار الاحتلال الإسرائيلي يجب أن يشكل حافزاً لنا بدلاً من أن يكون عائقاً، تُعلَّقُ بحجتهِ الحقوقُ، وتُنتهكُ الحرياتُ، وتُغَذَّى الصراعاتُ الطائفيةُ والمذهبيةُ ويؤجَّلُ الإصلاحُ السياسي والاقتصادي والاجتماعي وَتُعَطَّلُ المشاركةُ الفاعلةُ للمجتمع المدني في الحياة السياسية العربية»، لافتاً الى ان «التطرفَ والإرهاب، بجميع أشكاله بما فيها الديني والسياسي والثقافي والفكري يشكل عائقاً قوياً في منع عالمنا العربي من تحقيق النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية». وقال: «دفعنا في لبنان أثماناً عاليةً للحفاظ على وحدتنا وتماسكنا واستقلالنا وتمايزنا وحريتنا ونظامنا المدني والديموقراطي. ولهذه الأسباب لا يمكننا أن نبدل في أسس قيام بلدنا كلما تبدل المزاج والأهواء. بل على العكس، فان التجارب علمتنا أنّ الارتكازَ إلى هذه الثوابت القائمة على متانة العيش المشترك هو أساس حمايتنا واستمرارنا بلداً مميزاً». وتلى إطلاق التقرير، جلسة نقاش حوارية شارك فيها رئيس تحرير مجلة «وجهات نظر» ايمن الصياد، حول ما جاء فيه، على أن تتواصل الجلسات على مدى عام كامل وفي بلدان عربية عدة. وتركزت الانتقادات حول سبب اختيار لبنان مكاناً لاطلاق هذا النوع من التقارير المثيرة للجدل، الأمر الذي علله الصياد بكون لبنان «مرآة للوطن الكبير وخلافات دوله»، لافتاً الى أن امن اللبناني «كان في محطات عدة محل تهديد». وفي حين أعرب الصياد عن خشيته من أن يكون التقرير الحالي هو الأخير، أكدت السوسوة أنه هو بداية سلسلة جديدة. وردت على سؤال عن عدم دقة عدد المعتقلين سياسياً في لبنان كما ورد في التقرير، بالقول إن الأرقام دققت «وحصلنا على المعلومات من بيوتها، وليس من منظمات دولية ولا الأممالمتحدة»، كما أكدت أن «التقرير لا يعده مكتب الأممالمتحدة، بل هو يسمح للمثقفين العرب بأن يرصدوا ويعدوا ويكتبوا ما يرونه عن الواقع».