يبدو ان ثمة إصراراً سورياً رسمياً على ربط مضاعفات الازمة الداخلية ببلدان الجوار، خصوصاً لبنان. ويتجاوز هذا الاصرار المناطق الحدودية حيث يلجأ سوريون فارون من العنف في بلدهم، الى صلب الحياة اللبنانية. معروف ان اللاجئين السوريين الى لبنان، كما الى غيره من دول الجوار، هم عائلات تضم نساء واطفالا، يسعون الى النفاذ بجلدهم من آلة القتل في قراهم وبلداتهم. وفي لبنان خصوصاً، تكاد تقتصر المساعدات لهؤلاء على الهيئات الاهلية، بعدما تخلت الدولة بفعل ميزان القوى الداخلي عن القيام بواجبها الانساني في هذا الشأن. لكن السلطات في دمشق التي تنتقد في شدة سياسة النأي بالنفس عن التطورات السورية تضغط عبر حلفائها في الحكم اللبناني من اجل طرد هؤلاء اللاجئين وتسليمهم الى السلطات في دمشق بذريعة انهم من المجموعات المسلحة ويشكلون قاعدة خلفية لجمع السلاح وارسال المقاتلين الى سورية. وقد دأبت وسائل اعلامية لبنانية موالية لدمشق، ومنذ فترة طويلة، على نشر «تحقيقات» عن قواعد «الجيش الحر» في لبنان، استباقا للحملة السورية الرسمية في هذا الاتجاه. وجاءت احداث مدينة طرابلس الشمالية، والقريبة الى الحدود السورية، لتوفر حجة اضافية عن المجوعات المسلحة والسلفية التي تقاتل النظام السوري، علماً ان شرارة هذه الاحداث كانت اعتقال ملتبس وغير قانوني لأحد سكان المدينة بتهمة انه قاتل في سورية وانه يشرف على ارسال مقاتلين جهاديين اليها، في الوقت الذي لم يثبت على المتهم سوى انه ينشط في مجال مساعدة اللاجئين السوريين. لكن الحادث في ذاته وكيفية الاعتقال على يدي جهاز امني غير معني عادة بمثل هذه القضايا، وترتبط قيادته بطرف لبناني مؤيد لدمشق، كل ذلك يدعو الى استنتاج ان امر الاعتقال والتهمة جاءا من وراء الحدود. ولم تكن دمشق، وحلفاؤها في لبنان، مضطرين الى مثل هذا الاجراء الفظ لو ان رئيسي الجمهورية والحكومة يتولان التغطية السياسية الكاملة للخطة السورية في لبنان. وبدا انه، حتى بعد احداث طرابلس وفي اطار معالجتها امنياً، لم يقتنع رئيس الحكومة خصوصاً بضرورة انحياز القوى الامنية على الارض الى جانب انصار سورية في طرابلس. وجاء تحريك القوى الامنية على الارض ليساوي بين طرفي النزاع في طرابلس، اي عدم تغطية تهمة اهل المدينة بأنهم سلفيون وجماعات مسلحة ينبغي التصدي لهم. ويعتقد بان هذه الممانعة من رئيسي الجمهورية والحكومة للتماهي الكامل مع الرواية الرسمية السورية في لبنان عن المجموعات المسلحة والسلفيين هي، بين اسباب اخرى، وراء رسالة السفير السوري لدى الاممالمتحدة بشار الجعفري عن نشاط هؤلاء في لبنان. الاممالمتحدة ومجلس الامن تعاملا بتشكيك كبير مع مضمون الرسالة، وتالياً افتقاده لأي قيمة جدية. ووزع في بيروت نفي لبناني لتوافر اي معلومات عن كل ما ورد فيها، وتالياً يكون مصدرها غير رسمي. وهذا يعني ان ثمة تلفيقاً سورياً، يستعين ربما بأجهزة لبنانية تتعامل مباشرة مع دمشق بتجاوز للسلطة التنفيذية في بيروت، من اجل توريط كامل الدولة اللبنانية بالرواية الرسمية السورية، ودفعها الى مواجهة فئة واسعة من اللبنانيين بذريعة انهم سلفيون ومجموعات مسلحة. وفي هذا المعنى تشكل رسالة الجعفري تحريضاً على اقتتال لبناني تكون الدولة طرفاً فيه الى جانب الحكم السوري، ونقل المواجهة بين الحكم في دمشق والمعارضة السورية الى لبنان.