في الوقت الذي يضطر فيه مواطنون إلى شد رحالهم للسفر داخل المملكة وخارجها، هروباً من حرارة الصيف وطمعاً في تغيير الأجواء، يفضّل شعراء الشعبيون المكوث في مدنهم، لارتباطهم بأمسيات شعرية، يتقاضون عليها مبالغ مالية، إذ تعد تلك الأمسيات مصدر دخل «موسمي» لعدد منهم. وأصبحت الأمسيات الشعرية في الفترة الأخيرة شراً لا بد منه، ومنبر من لا منبر له، ولم يعد يقتصر تنظيمها على المهرجانات الصيفية أو كبرى الحفلات الرسمية، إنما روتيناً في حفلات الزفاف، ومطلباً أساسياً فيها، ومن الهموم التي تثقل كاهل المقبلين على الزواج، فالشعراء الشعبيون أسعارهم تضاهي ما تطلبه مطربات الأفراح في منافسة احتدمت على أشدها، من أجل إمتاع المدعوين والتطبيل للعريس وعائلته، ومحاولة لكسر الملل الذي قد يجتاح صدور المدعوين خلسة في الأعراس. ووصلت أسعار الشعراء الشعبيين خلال فصل الصيف في الأمسية الواحدة إلى 20 ألفاً، بناءً على معايير عدة، منها: شهرة الشاعر، وعدد البرامج الشعرية التلفزيونية، التي شارك فيها، ومقدرته على المدح المبالغ فيه، وما يختزنه من قصائد غزلية، وفكاهية. ويتحول معظم الشعراء في أمسيات الصيف إلى «حكواتي»، أو «مهرج»، لجذب انتباه الجمهور إليه. من جهتهم، يقف أصحاب المكاتب الشعرية ومنظمو الأمسيات على «صفيح ساخن»، وبين نارين، فالطلب الوفير على الشعراء لإحياء الحفلات في مختلف مدن المملكة، وبين ارتباطات الشعراء الشخصية والعائلية، و«المصطنعة» أحياناً وأمزجتهم المتقلبة. وذكر مسلط النجيب (صاحب مكتب تنسيق أمسيات) أن فصل الصيف موسم للشعراء، من خلال توافر دعوات الأمسيات لهم، إذ إن عدداً من الشعراء يضعون شروطاً لحضور تلك الأمسيات، منها اختيار المشاركين معهم، وكذلك وضع مبالغ محددة، لافتاً إلى أن هناك شعراء يتخلفون عن مواعيد الأمسيات، وهو ما يضع المنظمين في حرج مع الجمهور. وأضاف أن الأمسيات الشعرية امتدت إلى المناسبات الخاصة، كحفلات الزواج، «وهذا ما زاد من نسبة الطلب على الشعراء، ورفع أسعارهم، إذ يضطر العريس إلى المزايدة على شاعر معين، ليحضر حفلة زواجه». وأكد طلال العلي أن عدداً من منسقي الأمسيات الشعرية يعمد إلى رفع أسعار الشعراء، حتى يضمن حضور الشاعر إلى الأمسية، وعلى رغم من هذا كله قد لا يحضر الشاعر، «ففي بعض الأحوال يأخذ الشاعر مقدماً من المبلغ كعربون، لتأكيد حضوره ويتخلف عنه، إما لظروفه الخاصة، أو لأنه وجد عرضاً أفضل من هذا الذي قدم له». يذكر أن عدداً من الشعراء السعوديين يفضلون أمسيات المهرجانات الخاصة على الرسمية، كون الأولى تقدم مبالغ مجزية، بينما الأخيرة فقدت كثيراً من وهجها السابق.