نجحت وساطة «هيئة العلماء المسلمين» التي تلطخت بدماء عدد من مشايخها، في الإفراج عن ثلاثة عناصر من قوى الأمن الداخلي اللبناني كان يحتجزهم المسلحون السوريون في عرسال منذ السبت الماضي، فيما كانت الاشتباكات بين الجيش والمسلحين لليوم الرابع على التوالي تتراجع حيناً وتتصاعد حيناً آخر بانتظار إنضاج تسوية تقضي بوقف إطلاق النار وانسحاب المسلحين إلى جرود عرسال وإطلاق العسكريين المحتجزين وتبيان مصير الآخرين، في وقت بقي أهالي عرسال والنازحون فيها محاصرين داخل البلدة بسبب منع المسلحين لهم من الخروج، وحتى فتح النوافذ. وأحكم الجيش طوقه حول البلدة خشية تسرب المسلحين منها إلى مناطق لبنانية أخرى. مبادرة «هيئة العلماء المسلمين» لوقف إطلاق النار ليل أول من امس، قوبلت برصاص مجهول أصاب ثلاثة من حامليها إلى عرسال، إذ إن السيارة التي كانت تقل الشيخين سالم الرافعي وجلال كلش والمحامي نبيل الحلبي وأطباء تعرضت منتصف ليل أول من امس، لإطلاق نار بعدما عبرت حاجز الجيش عند المدخل الشرقي للبلدة وباشرت دخولها عرسال، بعد اتصالات وضمانات بعدم التعرض للموكب. لكن حصل إطلاق النار «في منطقة معزولة لا يتواجد فيها لا الجيش ولا المسلحون»، بحسب الشيخ عدنان أمامة (من الهيئة في البقاع) في تصريح إلى «الحياة» وهو كان في إحدى سيارات بقية الموكب عند حاجز الجيش. وقال إن «شاباً كان في السيارة المصابة هرب وعاد ركضاً إلى الحاجز وأبلغه بما حصل وبأن الشيخين مصابان وطلب سيارة إسعاف وعلى الفور أرسلت سيارة إسعاف لإغاثة الجرحى وتعرضت لإطلاق النار أثناء دخولها وأثناء خروجها. وتمكنت السيارة من إخراج الشيخ كلش لخطورة إصابته فيما فضل الرافعي والحلبي تلقي الإسعافات الأولية في المستشفى الميداني الذي يقع أول عرسال والبقاء في البلدة لمتابعة المفاوضات التي دخلوا من أجلها». وتبين أن الرافعي أصيب برصاص في ساقه ما أدى إلى كسرها فيما أصيب الحلبي بشظايا رصاص وهي إصابات طفيفة. أما اصابة الشيخ كلش (46 سنة) فكانت في رقبته ودخلت العمود الفقري، ما أدى، وفق التقارير الطبية اللاحقة، إلى إصابته بشلل نصفي. وهو نقل من البقاع إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت لمتابعة حاله الصحية. وتابع الشيخ الرافعي الذي أعطي مسكنات بعدما نزف الكثير من الدماء، التفاوض مع مسؤولي المسلحين السوريين. وعقد لقاء مطولاً مع «ابو مالك» ومع غيره، وواجه الرافعي صعوبة في التفاوض وتمسك بموقفه بضرورة إنهاء الوضع وخروج كل المسلحين من عرسال ووقف إطلاق النار. وقال الشيخ أمامة إن المسلحين أبلغوا أنهم «كحسن نية سيطلقون 3 عسكريين»، وقال: «أبلغونا أن عدد العناصر الذين يحتجزونهم أقل مما اعلن عنه الجيش اللبناني، وتحدثوا عن 26 عنصراً لديهم من الجيش وقوى الأمن الداخلي وأنه لا مصلحة لديهم بالاحتفاظ بهم ورغبتهم هي في تثبيت وقف إطلاق النار وعدم التعرض للمسلحين أثناء انسحابهم إلى الجرود، وأنهم جديون في الانسحاب». وأشارت مصادر أمنية بارزة على تواصل مع الوفد المفاوض، إلى أن الجانب اللبناني أكد أن مفتاح وقف إطلاق النار هو الإفراج عن مخطوفي قوى الأمن الداخلي وتبيان مصير العسكريين المفقودين. وقالت هذه المصادر إن هناك أكثر من ألفي مسلح في عرسال، وإفادت عن وجود أطفال قتلى من العراسلة ومن النازحين السوريين. وكانت الاشتباكات بين الجيش اللبناني والمسلحين السوريين تواصلت بشكل متقطع صباح أمس، بعدما أبقى المسلحون على عمليات القنص باتجاه منازل العراسلة لمنعهم من الخروج من البلدة والإبقاء عليهم كدروع بشرية، وذكر أن شخصاً من آل الحجيري قتل برصاصة في رأسه لأنه احتج على المسلحين وصرخ بهم قائلاً: «خلصونا منكم بدنا نرتاح». وذكرت الوكالة «الوطنية للإعلام» (الرسمية) أن وحدات الجيش عملت على استعادة مبنى المحكمة الشرعية الذي يتمركز فيه المسلحون ومحيط مبنى الجمارك داخل عرسال. وعلى خط مواز بقي عضو كتلة «المستقبل» النيابية جمال الجراح على تواصل مع الرافعي حتى الفجر وعلى تواصل في المقابل مع زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ورئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس الحكومة تمام سلام. وكان الرئيس السنيورة يتابع مع عضوي الكتلة خالد الضاهر ومعين المرعبي تداعيات ما يحصل في طرابلس على خلفية ما يحصل في عرسال (التفاصيل في مكان آخر)، وأبلغهما أن «خيار الكتلة دعم الجيش اللبناني، وأن كل نقطة دم تنزف من جندي فيه هي من دمنا ودم البلد»، ونبههما إلى أن «انكسار الجيش يعني انكسار البلد ونحن منه»، وشدد على أن «لا شروط توضع أمام الجيش والقوى الأمنية وأي رأي آخر لا يلزمنا». وأبلغ الجانب اللبناني من خلال عملية التفاوض مع المسلحين ضرورة الإفراج كخطوة حسن نية عن 4 محتجزين من القوى الأمنية من مختلف الطوائف وألا تقتصر على طائفة معينة. وقال الشيخ أمامة ل «الحياة» إن قرابة الحادية عشرة قبل الظهر أدخلت سيارة النائب الجراح المصفحة إلى عرسال وسيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر اللبناني فأخرجت الشيخ الرافعي والحلبي ومعهما وفد الأطباء وصعد ثلاثة عناصر من قوى الأمن في سيارة الجراح، وهم: رامي جمال، خالد صلح وطانيوس مراد، وفيما جرى تسليم الثلاثة إلى الجيش اللبناني ونقلوا إلى مركز استخبارات الجيش في رأس بعلبك، نقل الشيخ الرافعي إلى المستشفى اللبناني - الفرنسي في زحلة لمتابعة العلاج. وقال الشيخ أمامة إن الرافعي وقبل المغادرة اتفق على تشكيل لجنة من فاعليات عرسال ووجهائها ومن البلدية لتولي الوساطة والبقاء على تواصل معه. الجراح: الاجواء ايجابية وأعلن الجراح في تصريحات بعد خروج الوفد من عرسال «أن الرافعي وفّق في مساعيه لحل الأزمة في عرسال»، مؤكداً أن «قيادة الجيش والعماد جان قهوجي إيجابيان جداً في هذا الموضوع، لاسيما أن هناك 50 ألف لبناني محاصرون في عرسال ويتعرضون للقصف، والإصابات كبيرة بين صفوف النازحين السوريين والمدنيين اللبنانيين والوضع الإنساني سيئ جداً». وأشار إلى أن «أهالي عرسال يتوسطون مع المسلّحين والأجواء إيجابية وهناك تقدم كبير في موضوع الانسحاب من عرسال أو تسليم عناصر الجيش. ونتمنى أن تمرّ الأمور على خير وخلال ساعات نعلن عن إيجابيات معينة». وأوضح أنه «لا يمكن تحديد الجهة التي أطلقت النار على الشيخ الرافعي أو سيارة الإسعاف عندما تم نقل الشيخ كلش إن كان ذهاباً أو إياباً لطبيعة المنطقة الجغرافية وتعرجاتها والتلال المتقاربة والمتقابلة». الرافعي: المسلحون ساعدونا وقال الرافعي في تصريح من المستشفى إنه بعد عبور السيارة التي كانت تقله في طريقها إلى عرسال نقطة الجيش «شاهدنا رصاصاً خطاطاً في الهواء، ولما تقدمت السيارة تعرضت لقذيفة، ما أدى إلى توقفها وانهمر علينا رصاص القنص، وأجزم بأن المسلحين السوريين لم يقدموا على قتلنا بل أنهم هرعوا إلى السيارة وسحبونا منها وقتل من بينهم شخص». وأكد ان «المسلحين لديهم الرغبة في ترك عرسال، وهم لا يريدون أن يحتلوها، وكل ما يطلبونه وقف إطلاق النار ونقل الجرحى وحسن معاملة الأهالي المدنيين والنازحين السوريين بعد خروجهم من البلدة». وعن إطلاق سراح عماد جمعة، أوضح أن «الذي يطلب هذا الطلب غير موجود الآن، الموجودون الآن هم الخائفون على المدنيين ويريدون الانسحاب بأقرب فرصة ويطالبون بضمانة لأهلهم في عرسال وهذه المعركة ليست معركتهم ولكن بعض الفصائل وعند اعتقال البعض من جماعتهم تورطت في هذه المعارك وفي أسر الجنود، أما سائر الفصائل فلم توافق على هذا، وتدخلها كان لحماية المدنيين». ومساء انتقل الرافعي إلى طرابلس لمتابعة العلاج في احد مستشفياتها وأقيم له استقبال حاشد من مناصريه. ومع خروج الرافعي، جرى التواصل مع الجهات الأمنية اللبنانية، وقال الشيخ أمامة ل «الحياة» إن المرحلة اللاحقة هي لتثبيت وقف إطلاق النار من جانب الجيش تمهيداً لانسحاب المسلحين إلى الجرود. وأشار إلى تواصل يجري مع الرئيس سلام. وبعد الظهر ارتفعت حدة الاشتباكات بين الجيش والمسلحين في عرسال، في وقت نفت قيادة الجيش- مديرية التوجيه في بيان أن تكون المشاهد لعدد من جثث القتلى بلباس عسكري ومشاهد فيديو لمسلحين يقتلون عسكريين بطريقة وحشية بثت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي للإيحاء أن الأخيرين ينتمون إلى الجيش اللبناني، تعود لعناصر الجيش اللبناني. وأكدت ان «هذه المشاهد مأخوذة من أحداث جرت خارج لبنان ومنشورة سابقاً». وكانت مواقع إلكترونية إخبارية لبنانية أكدت امتناعها عن نشر هذه المشاهد «حفاظاً على هوية لبنان الذي نعرفه ونريده، وتأكيد الدعم المطلق للجيش اللبناني في حربه ضد الإرهاب والإرهابيين الذين يريدون تغيير هوية لبنان من خلال ضرب المؤسسة العسكرية واستهدافها». تشييع شهداء الجيش وكان تشييع شهداء الجيش اللبناني تواصل في أكثر من منطقة لبنانية وسط حال من الحزن والتضامن مع الجيش اللبناني. وفي منطقة الهرمل شيع العريف أحمد علي الحاج حسن، بمشاركة ممثل وزير الدفاع وقائد الجيش العقيد الركن فؤاد عانوتي، إضافة إلى الضباط الكبار والأجهزة الأمنية وفاعليات بلدية واختيارية وقيادات حزبية وإسلامية. ونعت قيادة الجيش «النقيب داني فؤاد خيرالله والجندي علي محمد خضارو اللذين استشهدا أول من امس خلال الاشتباكات التي يخوضها الجيش ضد المجموعات الإرهابية في منطقة عرسال».