نقف في بعض القضايا متسمرين لنغالب الدموع ونحبس الضيق والحزن عن الظهور حتى وإن خُذِلَت بفعل تقاسيم الوجوه التي لا تكذب على الإطلاق، نشعر أننا مكتوفو الألسن والأيدي نحو صنع أي شيء سوى استدرار ثدي الآهات، واستحلاب الدموع وتنتابنا رغبة عارمة في أن تكون بعض اللحظات بلا تاريخ، مطموسة من التوقيت بكامل مجرياتها، لم أعرف عبر القراءة ولا المتابعة الدائمة في عام على الأقل جريمة ضربت مجتمعنا السعودي المتماسك في مقتل كمجزرة المواطن الأربعيني حين أجهز على وروده وصغاره الثلاثة، وينتقم من الزوجة لخلاف عائلي بكتابة الدقيقة الأخيرة من العمر القصير ويطعن الصغار في الصدور البريئة تلك التي عزفت «بابا» كثيراً ليستخرج منها هذا العزف على هيئة دم أحمر تتصلب معه كل معاني الإنسانية، وتدخل بمشاهدته كل الأجساد إلى دوائر الغيبوبة، لم يترك لهم ولو دقيقة واحدة لبكاء أخير، ولم يمنحهم الفرصة كي يتجهوا للقبلة ليخف «ألم السكين» لتفعيل العامل النفسي المطمئن الذي ينتابنا إن اتجهنا للقبلة، لم تنتابني أيضاً حيرة في كيفية الكتابة بمثل ما انتابتني هنا حين استعرضت الفاجعة بالدموع تارة وتارة أخرى بالرغبة المتخبطة في الطرق على المسامير وهي ساخنة حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة ثانية، ونتفادى سريعاً رائحة مشابهة ونوقفها قبل أن تمتد وتنتشر على أكثر من مكان وجسد باختلاف الكيفية والطريقة. إن كان هناك من ضابط صارم يمنع ألا نقرأ مجزرة مشابهة فليحضره من كان قوياً وبعيد الرؤى والرؤية في قراءة الجريمة، وقادراً على البحث والاستقصاء وإحضار الحلول حتى وإن أدى الضابط إلى أن نخفي كل أب قاسٍ أو مريض أو غائب عن الوعي ونضعه بعيداً عن متناول أطفاله وأسرته لحين أن يثبت بكل اختبارات الدنيا أنه سليم بسيط خائف لا يجرؤ على حمل سكين طعام، لا نريد أن تنهار أسماعنا وتلتهب أعيننا بقادم يروعنا ويسلبنا كل حاجاتنا الأساسية من البسمة والفرحة والعيش الآمن والسرور، ولنوقف - عن الحد الفاصل بين الإنسانية والوحشية - كل أب أؤتمن على أبنائه وهو يخفي في المخبر قسوة وجبروتاً ووحشاً كاسراً في ثياب إنسان ولأقل - مع نهر الدموع وفضيحة الحقيقة - في ثياب « أب». من الدقائق الأولى لا الساعات الأخيرة لتذبذب التصرفات والقرارات لا بد من إيقاف كل الخطوات التي تسير بلا هدى ولا وعي أو تعيش بشكل غير طبيعي، لنعالجها، ونهتم بها، لنقف معها حتى تتجاوز محيط الكارثة، وتفادياً لتوابل الكذب الجاهزة عندما نكتشف دائماً ومتأخراً أن الجاني أياً كان نوعه وجنسه وصلة قرابته يعاني مشكلات نفسية واضطرابات عقلية ونخبزها بشكل عشوائي كمبررات سريعة من أجل تخفيف عيار الحدث، لأقول لحظتها ألا يمكن لمجتمعي المصدوم بمجزرة كهذه أن يكتشف كل خيوط الوحشية مبكراً قبل موائد التقارير الجاهزة، ووقوع السكين - لا السيف - في أكثر من صدر بريء لئلا تستحيل لحظتها كل الحلول قاطبة ويثبت الحل الأقسى «ذهاب حامل السكين وقاتل الأجساد الصغار إلى الطريق ذاته أمام الملأ، وقصاصاً لا انتقاماً»! [email protected]