يشكو الفنان اللبناني من على شاشة برنامج حكي يجمع السياسيين الى الفنانين الى غيرهم من الناس، أن أهل السياسة في لبنان، لكثرة ما يظهرون على الشاشة الصغيرة، لمناسبة ومن دون مناسبة، سرقوا «الجو» من أهل الفن، غير تاركين لهؤلاء حيزاً يطلون منه. ثم يفتي صاحبنا بأن الفارق بين السياسي والفنان يكمن في حرف الجر ف السياسي في رأيه «يمثل على الناس، فيما الفنان يمثل لهم». طبعاً الفكرة الأخيرة هذه، طريفة ولا تخلو من ذكاء حتى وإن كان من الصعب مشاركة الفنان فيها. فالتعميم هنا سيّء لكنه نموذجي بالتأكيد، وهو ينتمي الى تلك الأجوبة السريعة التي يطلقها أي انسان حين يجد نفسه أمام ميكروفون وكاميرا، فيكتشف أنه سوف يكون «نجماً» ولو لدقائق قليلة. فالحقيقة أن ليس كل السياسيين يمثلون على الناس، كما أن ليس كل الممثلين يمثلون للناس بخاصة اذا ما شاهدنا المسلسلات التي يمثلون فيها! لكن هذا ليس بيت القصيد بالنسبة الينا هنا. إذ، إن تخلينا عن التعميم غير المحمود، ونظرنا الى الأمور من زاوية مقارنة، ثم استفتينا ردود فعل الجمهور، قد نتوصل الى نتيجة سيكون من شأنها أن تفاجئ فناننا الطيب، حتى من دون أن تخرج في سياقها عن النقد الذي كان يرمي الى ايصاله من كلامه. ذلك أن أية مقارنة بين الأداء «التمثيلي» لعدد كبير من السياسيين، والأداء التمثيلي لعدد كبير من ممثلي الشاشة الصغيرة، لن تكون في مصلحة هؤلاء الآخرين. فالواقع أن «ممثلين» من أهل السياسة، يبدون في المحصلة الأخيرة أكثر كفاءة وحتى أكثر قبولاً من الجمهور. فإذا كان ممثل الدراما يُبكي متفرجيه في لحظات درامية، فإن ممثل السياسة يبكيهم في معظم اللحظات. وإذا كان ممثل الدراما يضحك متفرجيه وإن بحدود، فإن «الممثل» السياسي يضحكهم من دون حدود. وإذا كان من خواص فن التمثيل أنه كذب على الناس، ليسليهم - بحسب نظرية الكاتب الأرجنتيني بورخيس في أن كل ابداع إنما هو كذب لذيذ - فإن ممثلي السياسة يبدون دائماً، أكثر اتقاناً لهذا الكذب من غيرهم من ممثلي الفن الدرامي. ثم إذا كان الكذب الدرامي ينتهي غالباً - ويا للسذاجة! - نهايات سعيدة، فإن الكذب السياسي غالباً ما ينتهي نهايات مأسوية، ما يجعله اشد وقعاً وقوة، وغير قابل لأن يُنسى. وبالتالي فإن آثاره - السيئة غالباً - تبقى مفاعليها حاضرة في مصائر الشعوب وآلامها، فيما تنتهي مفاعيل التمثيل الآخر، ما إن ينتهي بث العمل وتبدأ الأخبار. ولنضف الى هذا أن الجمهور لا يعرف أبداً مصير الشخصيات بعد أن ينتهي بث العمل، فهو يعرف أن السياسيين الذين يخوضون صراعاتهم أمامه على الشاشة طوال ساعة وأكثر، سينتهي الأمر بهم الى طاولة في مطعم يأكلون معاً، ويتندرون على سذاجة الجمهور الذي صدّقهم. فمن الأقوى في رأيكم؟