سرت تهدئة لسبع ساعات أمس أعلنتها إسرائيل من جانب واحد، واخترقتها من أول لحظة، مراراً وتكراراً، واعتبرتها حركة «حماس» صرفاً للأنظار عن المجازر، فيما تراجعت حدة القصف الجوي والبري والبحري، ما أسفر عن استشهاد 21 فلسطينياً، وتم انتشال جثث نحو 20 آخرين، بعضها متحلل. وعلى خط مواز تواصلت الاجتماعات في القاهرة للتوصل الى وقف لإطلاق النار، في وقت دبت الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي، وسط اتهامات متبادلة. وقال رئيس حكومة التوافق الوطني رامي الحمدالله إن الحكومة «تعمل على توفير كل ما يلزم أهلنا في القطاع في ظل العدوان الإسرائيلي الإجرامي (..) سواء كان ذلك بتوفير المستلزمات الطبية، والأدوية، والمواد الغذائية، والمياه»، مشدداً على أهمية الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية، خصوصاً وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «أونروا». وبحث الحمدالله في مقر الحكومة في مدينة رام الله أمس مع المفوض العام ل «اونروا» بيير كرهينبول، إمكان توفير الكهرباء من خلال سفن ترسو على شواطئ بحر غزة. وطلب الحمدالله من كرهينبول «تحريك هذه القضية مع الجهات الدولية وإسرائيل»، مضيفاً أن «بعض الدول أبدى استعداده المبدئي لتوفير ذلك». وأبدى كرهينبول استعداد المنظمة الدولية «للتعاون الكامل مع الحكومة الفلسطينية في كل القطاعات»، وأطلع الحمدالله على عمل «أونروا» في ظل العدوان المتواصل على قطاع غزة لليوم الثامن والعشرين على التوالي. وقال إن «العمل جار لتشكيل لجنة لدرس الدمار في القطاع وتقويمه، ليتم بعد وقف العدوان إعادة الأعمار»، وكذلك «درس الخيارات المطروحة أمام مدارس أونروا التي تم قصفها (من قبل إسرائيل) وإمكان بدء العام الدراسي في ظل هذا الوضع». في الأثناء، قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن «هناك خيارين لإنهاء الحرب، الأول إخضاع حماس، والثاني إنهاء العملية بتسوية سياسية». فيما قال ضابط إسرائيلي كبير إن الساعات الثماني والأربعين المقبلة «حاسمة لمستقبل الحرب»، مدعياً أن الجيش الإسرائيلي «سيكون انتهى من تدمير ما تبقى من الأنفاق، كما ستظهر نتائج مفاوضات القاهرة». ونقلت القناة العبرية السابعة عن الضابط أمس قوله إن «الجيش سيعرف خلال هذه الفترة إلى أين تتجه حماس بعد قطع شوط كبير في مفاوضات وقف إطلاق النار». وكشفت صحيفة «معاريف» العبرية أمس عن «وجود توتر كبير في علاقة الجيش بالمستوى السياسي في إسرائيل، ووجه سياسيون انتقادات لاذعة لأداء الجيش في قطاع غزة وعجزه عن حسم المعركة وإعادة الهدوء للجنوب». وأضافت أن «قرار سحب القوات من القطاع لم يتخذ يوم الجمعة، كما ظن الجميع، لكنه اتخذ الأربعاء الماضي في ظل ازدياد خسائر الجيش من جهة، وعجزه عن إخضاع القطاع من جهة أخرى، في حين أجّلت إسرائيل قرارها بناء على طلب أميركي بعقد هدنة مدتها 72 ساعة بدأت الجمعة الماضي، ما لبثت أن انهارت في ظل توغل الجيش شرق رفح ومقتل ثلاثة جنود». ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن «خلفية اتخاذ القرار نابعة من فشل الجيش في حسم المعركة والثمن الباهظ الذي تتكبده إسرائيل على المستوى الدولي بسبب استمرار استهداف المدنيين، إضافة إلى الثمن الكبير الذي تكبده الجيش في أرواح جنوده حتى الآن». وأضاف المسؤول أنه «من المناسب الآن إعطاء فرصة لنجاح الجهود الديبلوماسية، وفي حال فشلت سيتم العودة لخيار احتلال القطاع، مع أن ذلك يحتاج إلى حملة دولية أكبر من الحملة الحالية، علما بأن خيار احتلال القطاع تم رفضه تماماً خلال جلسات المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) الأخيرة». ولفت موقع «nrg» الإسرائيلي إلى التوتر الشديد بين قيادة الجيش والمستوى السياسي، وأشار إلى أن «تصريحات أحد كبار الضباط أن الجيش يحتاج أسبوعاً واحداً لاحتلال قطاع غزة وتقويض سلطة حماس، أثارت غضباً شديداً في أوساط المستوى السياسي». ووصف مسؤول سياسي هذه التصريحات بأنها «مضللة»، وقال إن «تقدير الموقف الذي عرضه قادة الجيش على الكابينيت كان مختلفاً تماماً عما يشير إليه الضابط المذكور، حيث تحدث مسؤولو الجيش أن السيطرة على القطاع وتقويض حماس على غرار حملة السور الواقي (في الضفة الغربية عام 2002) تتطلب شهوراً طويلة، وقد تمتد لسنة أو سنتين». ويقول المسؤولون السياسيون إن «السؤال المطرح: كيف فشل الجيش في تنفيذ مهمته المحددة» في غزة، وأشاروا إلى أن «رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو غير راض من النتائج التي حققها الجيش». وكانت إسرائيل أعلنت أمس عن تهدئة من العاشرة صباحاً وحتى الخامسة مساءً. وعلى رغم تراجع حدة العدوان جواً وبراً وبحراً في شكل كبير خلالها، إلا أن طائرات حربية إسرائيلية أميركية الصنع شنت غارات عدة. وقال المتحدث باسم «حماس» سامي أبو زهري في تصريح صحافي أمس، إن التهدئة «من طرف واحد»، معتبراً أنها «تهدف إلى صرف الأنظار عن المجازر الإسرائيلية، ونحن لا نثق بمثل هذه التهدئة وندعو شعبنا لأخذ الحيطة والحذر». وجاء تحذير أبو زهري في محله، إذ بعد سريان التهدئة بدقائق قصفت منزل عائلة البكري في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، ما أدى الى استشهاد طفلة وإصابة نحو 30 بجروح متفاوتة. كما قصفت منزلاً في مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع وفي عدد من المناطق، ما أسفر عن استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة آخرين، فيما تم انتشال ثماني جثث من المنطقة الشرقية لمدينة رفح جنوب القطاع، وثلاث من حي الشجاعية، وعدد آخر من مناطق متفرقة. ووفق وزارة الصحة استشهد أمس أكثر من عشرين فلسطينياً، جلهم قبل سريان التهدئة، ما رفع عدد الشهداء الى 1865 بينهم 398 طفلاً، و207 سيدات، و74 مسناً، والجرحى 9470 بينهم 2744 طفلاً و1750 سيدة و343 مسناً. كما واصلت فصائل المقاومة الرد على العدوان باستهداف مواقع عسكرية ومستوطنات يهودية بالصواريخ المختلفة وقذائف الهاون. وأعلنت «كتائب القسام» الذراع العسكرية لحركة «حماس» و «سرايا القدس» الجناح العسكري ل «حركة الجهاد الإسلامي» عن إطلاق صواريخ مختلفة الأنواع على وسط إسرائيل وجنوبها وصولاً الى جنوب مدينة تل أبيب. وقالت مصادر إسرائيلية إن سبعة جنود أصيبوا في القطاع أمس، فيما أعلنت قوات الاحتلال حال التأهب القصوى شمال حاجز «إيرز» وصولاً إلى جنوب مدينة عسقلان. وأغلقت قوات الاحتلال الحاجز أمام المغادرين من القطاع والقادمين إليه والطرق القريبة منه، تحسباً من «حادث أمني خطير»، فيما يعتقد أنها عملية تسلل الى قاعدة «زيكيم» العسكرية جنوب عسقلان. وأشارت «سرايا القدس» إلى أن الجنود أصيبوا جراء قصفها مستوطنات محاذية للقطاع، كما أكدت في بيان استشهاد أحد قادتها في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً في جباليا بشمال قطاع غزة، هو قائد لواء الشمال دانيال منصور. ولم توضح السرايا هوية صاحب المنزل الذي استشهد فيه أو تاريخ تعرضه للقصف الإسرائيلي.