شارك شعراء ونقاد مصريون وعرب في ندوة عنوانها «في شرفة حلمي سالم»، عُقدت في القاهرة على مدى يومين في مقر نقابة الصحافيين في القاهرة، نظمتها حركة «شعراء قصيدة النثر... غضب». ووفق بيان للحركة، فإن هذه الندوة هي بمثابة تكريم لتجربة الشاعر المصري حلمي سالم (61 سنة). في افتتاح الندوة ألقى الشاعر محمود قرني كلمة عنوانها «حلمي سالم: أيها النزق، متى تظهر عليك عوارض الحكمة؟» وجاء فيها: «إننا ونحن نحتفي اليوم بحلمي سالم، نحتفي في الحقيقة بالقوة التي لم نتمكن من امتلاكها، بالتشبب الذي لم نعشه، بالشعر الذي لم نكتبه، بالنساء اللائي احتقرناهن ثم بكينا في السر تحت أقدامهن، بالمغامر الذي تمنيناه فينا، بالحرية المسكينة التي اختلسها بخفة يده ولم يترك لأتباعه أثراً يدل، حتى، على ما تبقى من عظامها، نحتفي كذلك بالشيخوخة التي لم تترك أياً من عوارض الحكمة على جبين صاحبها». وفي كلمة خلال الجلسة نفسها قال الناقد محمد عبد المطلب: «إن حلمي سالم ينتمي إلى جيل من الشعراء استطاع أن يؤسس لنفسه شعرية خاصة. والرومنطيقية في شعره تغيب وتحضر، لكنه يرفض الوضوح والمباشرة، جامعاً بين الفردية والجماعية فضلاً عن استعماله الخاص للغة بوصفها أداة طفولية». وأرسلت الشاعرة المصرية المقيمة في كندا إيمان مرسال كلمة، خاطبت فيها سالم بالقول: «ربما لم تكن هناك طريقة في سياق القاهرة، في التسعينات، في الصداقة التي وصلنا إليها من شارعين مختلفين لأن تكون طبيعية. ليس لديّ رغبة في أن أخبرك كم أنا مدينة لقصائدك أيضاً، ربما ذلك مزاج آخر. مع ذلك عندما غادرت مصر في 1998 وكأنني لن أعود أبداً، كان عليّ أن أختار من مكتبتي ما لا يزيد على حقيبة واحدة، ظللت أستبعد ما يمكن الاستغناء عنه، ثم ما يمكن تخيّل الحياة من دونه. ولكن قصائدك كانت مما لم يمر بلعبة الاستبعاد هذه للحظة. ذلك أن قصيدتك تستحق أن تُعاد قراءتها في لحظات مختلفة، فهي عتبة في وعيي بالشعر والأكثر من ذلك أنها من القصائد التي تشعر فجأة بالحاجة إليها». وفي مقطع آخر تقول مرسال: «هذا ما يجعلني ممتنة لحنانك، حنانك ليس تجاه أصدقائك ولا من تحبهم فقط، بل تجاه العالم نفسه». بين الزمني واللازمني وقرأ الشاعر والناقد المصري أسامة عرابي كلمة بعث بها الشاعر العماني سيف الرحبي جاء فيها أن أهم ما يميز شعر حلمي سالم هو أنه قدم نموذجاً لم يكن مألوفاً في الشعرية العربية زاوج بين الوزن والإيقاع، بين الخيال والنثر؛ وجمع بين الزمني واللازمني، بين الثوري والرومنطيقي الحالم. وتحدث الشاعر المصري محمد فريد أبو سعدة عن تجربة سالم الشعرية، معتبراً أنها «كانت دائماً سؤالاً مفتوحاً على التجريب والمغامرة، فصاحبها يكتب قصيدة ماكرة تتعمد استدراج القارئ». وألقت الشاعرة المصرية عزة حسين كلمة للشاعر السوري نوري الجراح، رجع فيها بالذاكرة إلى فترة حصار بيروت في 1982 قائلا: «عشنا تجربة ستطبع نفسها إلى الأبد في شعرنا وحياتنا، إلى جانب نخبة من أصدقائنا الشعراء العرب، وبينهم معين بسيسو ومحمود درويش وعز الدين المناصرة وشاكر لعيبي، وسليم بركات وأمجد ناصر». وأضاف: «واجهنا بالكلمة الحرة الثائرة أنظمة الطغيان، وبصدورنا العارية آلة الموت الإسرائيلية واقتسمنا خبز المقاومة وكتبنا قصائدنا المبكرة في ليالي الحصار الإسرائيلي. ها نحن نواجه العالم كله اليوم بالحقيقة التي اكتشفناها مبكراً والتي تقول: إنهما طالما كانا وجهين لعملة واحدة. بل إن الاستبداد كما آلت إليه التجربة العربية المعاصرة هو الحاضنة الشرعية للاستعمار». واختتم الجراح قائلاً: «تحية لك يا حلمي؛ أيها الشاعر الحر والشقيق الغالي. لقد عشنا لنشهد معاً اليوم سطوع كلمة الحرية وسقوط آخر أسماء الاستبداد وأقنعته». وخلال الندوة التي واكبت خضوع حلمي سالم أخيراً لجراحة دقيقة في الرئة، ألقى صاحب «يوجد هنا عميان»، قصائد عدة من ديوانه الأخير «ارفع رأسك عالياً» الذي يحتفي بثورة 25 كانون الثاني (يناير) المصرية، بمصاحبة المغني وعازف العود المصري أشرف نجاتي. و قرأ سالم في اختتام الندوة قصيدة جديدة عنوانها «شرفة أخرى لليلى مراد»، يعود فيها إلى أجواء مشابهة لتلك التي صاحبت قصيدته «شرفة ليلى مراد» التي تسببت في رفع دعوى قضائية ضده قبل سنوات. واختتمت الندوة بأمسية شعرية شارك فيها الشعراء ماجد يوسف وإيهاب خليفة وعزة حسين وعادل جلال وأمجد ريان، وعلية عبدالسلام ورامي يحيى وسالم الشهباني، أدارها الناقد شريف رزق.