توقف مصدر سياسي بارز أمام خطاب زعيم «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون السبت الماضي، ملاحظاً أنه هاجم بقوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وبعنف رئيسَ «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة والقادة المسيحيين في قوى 14 آذار من دون أن يسميهم، وتجنب هذه المرة انتقاد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مباشرة، بعدما كان دأب، خلال الأشهر الماضية على اتهامه بعرقلة التعيينات الإدارية وبتأخير مشاريع وزير الطاقة جبران باسيل في ما يخص الكهرباء واستئجار البواخر لإنتاجها. وأشار المصدر إلى أن هجوم عون على الرئيس سليمان، ليس معزولاً عن انتقادات سبق أن تعرض لها الأخير بفعل سلوكه حيال بعض الأحداث المتصلة بالأزمة السورية، إن في ما يتعلّق برفض تسليم مطلوبين من النازحين السوريين، أو بالنسبة إلى مقتل المصور في محطة «الجديد» علي شعبان، فضلاً عن اعتبار دمشق و «حزب الله» أن سليمان لا يراعي مطالب عون كحليف لهما، في التعيينات وفي موضوع تشريع رفع سقف الإنفاق المالي. وهو ما ظهر في إلحاح وزراء حركة «أمل» و «حزب الله» على سليمان لإصدار قانون صرف ال8900 بليون ليرة على رغم رفضه ذلك بحجة أنه قابل للطعن الدستوري. وحصول المواجهة مع عون في مجلس الوزراء تبعه تمسك سليمان بمواقفه في ما يخص تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى وردوده على عون في هذا الشأن وفي مسائل أخرى في ندوته الصحافية الأخيرة قبل 3 أيام. الخليلان وجنبلاط ويعتبر المصدر أن عنف الهجوم العوني على جنبلاط لا يعود فقط إلى قول الأخير إن تيار عون عبثي، بل أيضاًَ إلى رفض جنبلاط طلب «أمل» و «حزب الله» مراعاة مقتضيات الشراكة مع عون في الأكثرية التي تتشكل منها الحكومة في اللقاء الذي جمعه قبل 10 أيام مع معاون رئيس البرلمان الوزير علي حسن خليل ومساعد الأمين العام ل «حزب الله» حسين الخليل إذ أبلغهما أنهما يذهبان بعيداً في مراعاة عون وفي «حمله» على أكتافهما، بموازاة رفضه مقاربة عون لملف تشريع رفع سقف الإنفاق لمواصلة الحملة على الرئيس السنيورة فامتدح الأخير ودافع عنه. والأهم وفق المصدر أن جنبلاط رفض القبول باعتماد النسبية في قانون الانتخاب على رغم أن الخليلين قدما له إغراءات بأن يعمل تحالف «أمل» و «حزب الله» مع عون على ضمان حصوله على 7 نواب دروز من أصل 8 نواب (الثامن هو طلال أرسلان) وأن تبقى حصته من النواب المسيحيين في كتلته، مع إمكان زيادتها. كما أكدا له أنّهما مع أي قانون انتخاب يريحه خصوصاً في توزيع الدوائر الانتخابية. ويرى المصدر أن هجوم عون على جنبلاط جاء نتيجة فشل محاولة إقناع الأخير بالتعاون معه، ونتيجة اعتقاده أن التصعيد ضد رئيس التقدمي والتذكير بحرب الجبل يستنفران الجمهور المسيحي إلى جانبه. أما أسباب تجنب عون الهجوم على ميقاتي منذ أسبوعين وصولاً إلى عدم ذكره في خطابه السبت الماضي، فإن الأوساط المعنية تختلف في تفسيرها. الضغوط على ميقاتي ويقول المصدر السياسي البارز إن الرئيس ميقاتي اضطر الى اعتماد سياسة انكفائية في الآونة الأخيرة، لأسباب إقليمية بدءاً بحرصه على عدم مفاقمة الخلاف بينه وبين القوى الحليفة لدمشقولطهران. فالأولى سبق أن أوصلت الرسائل التي تعرب عن عدم رضاها عن مراعاته لدول الغرب حيال الأزمة السورية، في ما يخص النازحين السوريين وتسليم المطلوبين الذين رُفعت لوائح بهم، كما هي حال عدم الرضا عن موقف سليمان في هذا الخصوص. وقد أزعج هذا الأمر ميقاتي، لا سيما حين تزامن مع حملة عليه من شركائه نتيجة ما تسرب من أنباء عن أنه خاض مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع تيار «المستقبل» على تغيير حكومي لمصلحة حكومة حيادية من تكنوقراط، وهو الأمر الذي فاتحه به بعض قادة «أمل» و «حزب الله» فنفاه. ويضيف المصدر إلى ذلك، قوله إن تصريحات ميقاتي التي انتقد فيها زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جزيرة أبو موسى التي تحتلها إيران وتعود إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في 14 نيسان (أبريل) الماضي، تسببت برد فعل سلبي حاد من الجانب الإيراني، ومن «حزب الله» الذي اعتبرت قيادته أنه لا يجوز لميقاتي أن «يتنطح» لمثل هذه المواقف في المواجهة الإقليمية التي تخوضها طهران. ويقول المصدر أنه في وقت رأى البعض أن كلام رئيس الحكومة سيساعد في التمهيد لإعادة فتح خطوط التواصل مع الدول الخليجية، الجامدة منذ توليه رئاسة الحكومة، فإن استياء طهران وحلفائها في لبنان، في المقابل، أدى إلى ضغوط عليه كي يعوّض عن هذا الموقف بعقد اجتماع للجنة العليا المشتركة بين طهرانوبيروت وباستقبال نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي على وجه السرعة على رأس وفد موسع للبحث في اتفاقات جديدة بين الجانبين فاضطر للموافقة تفادياً لمزيد من الضغوط عليه. ويقول المصدر إن حقيقة زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان بيروت تعود إلى أن واشنطن شعرت بالحاجة إلى مقابلة «الهجوم» السياسي الإيراني الذي بدا مفاجئاً في اتجاه بيروت بإيفاد فيلتمان. ويرى المصدر أن ميقاتي وجد نفسه في وضع حرج، وسعى إلى تخفيف الحملات ضده عبر سياسة «النأي» عن الصراعات، بموازاة شعور البعض بأنه بات يتبرّم من الوضع الحكومي ومن الخلافات، فلا علاقته مع شركائه سوية داخل الحكومة، ولا المعارضة توفره، بل تواصل حملاتها عليه. ويرجح المصدر أن يكون ميقاتي في مزاج الاستعداد للتخلي عن الحكومة إذا كان شركاؤه مستعدين لمخرج يقود إلى تأليف حكومة جديدة في شكل سريع بحيث لا يبقى طويلاً في حالة تصريف الأعمال، لأنه لا يخفي سأمه من الشلل الحكومي والخلافات والعراقيل التي تعترض عمل الحكومة... إلا أن المصدر يرد تفادي عون مهاجمة ميقاتي إلى أن الأخير تجاوب مع حلفائه في أمور إقليمية مثل زيارة الوفد الإيراني. وفي المقابل يرد مصدر وزاري تجنب عون الحملة على ميقاتي إلى أن الأخير أخذ نتيجة انزعاج «أمل» و«حزب الله» من تصادمه مع عون في الأشهر الأخيرة، يتبع سياسة «النأي بالنفس» عن مقاربة الملفات الخلافية معهما ومع الجنرال وهو لهذا السبب وافق على تمرير قرارات لمصلحة وزارة الاتصالات واجترح حلاً وسطاً لقضية بواخر استجرار الكهرباء وراعى مطالب عونية في التعيينات في الهيئات الرقابية وتجنب الدخول في سجال مع وزراء عون بعد أن تبلغ أن الأخير لم يعد يقبل أي تنازل إثر استقالة وزير العمل السابق شربل نحاس ولم يشارك في رد انتقادات وزراء «أمل» و «حزب الله» و «التيار الحر» للرئيس سليمان بسبب عدم إصداره مرسوم رفع سقف الإنفاق (وهو ما لاحظه سليمان)، فيما تلقى تهنئة في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة من وزير الطاقة جبران باسيل على موقفه من ضبط الجيش باخرة الأسلحة التي كانت متجهة إلى مرفأ طرابلس إذ قال له: «هذه نقلة نوعية في موقفك يا دولة الرئيس في شأن موضوع الباخرة ونشكرك على ذلك». ويشير المصدر الوزاري إلى أن نأي ميقاتي بنفسه أدى به إلى تجنب المشاركة أيضاً في السجال الذي دار بين الوزراء حول ما نقله وزير الخارجية عدنان منصور من استياء مسؤول سوري من مواقف الحكومة...