أضفى السجال الجديد بين زعيم «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي، رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، ورئيس الجمهورية ميشال سليمان على «الفايسبوك» أول من أمس، بعداً جديداً على المواجهة المستمرة بينهما نتيجة تباعد المواقف والمصالح في عدد من الملفات بدءاً من ملف التعيينات الإدارية ولا سيما تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى، مروراً بمسألة تشريع رفع الإنفاق لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عن عام 2011، وانتهاء بالحمى المبكرة لأجواء التنافس في الانتخابات النيابية المقبلة وبالتعاطي مع الأزمة السورية التي لعون وحلفائه في «حزب الله» ملاحظات على أداء سليمان في شأنها. ويشير مصدر رسمي متابع لتطورات العلاقة بين رئيس الجمهورية والعماد عون الى ان وصول التخاطب بينهما الى درجة اتهام الآخر ب «التوسّل»، ليس خروجاً عن المألوف فقط بل هو رأس جبل الجليد في المواجهة القائمة بينهما. فالعماد عون قال ان «تجربة الرئيس التوافقي غير مشجعة وبدلاً من أن يتسوّل رئيس الجمهورية بعض الوزراء (في تشكيل الحكومة) عليه أن يكون صاحب كتلة نيابية»، في حوار كان يجريه على «الفايسبوك»، فردّ الرئيس سليمان على «تويتر» قائلاً: «على الأقل الرئيس التوافقي لا يتسوّل مركز الرئاسة. وعلى العكس فالجميع يطلب منه قبول منصب الرئاسة»، في اشارة منه الى طموح عون الدائم بالوصول الى رئاسة الجمهورية». فشل وساطة الراعي ويكشف المصدر الرسمي المطلع على تفاصيل العلاقة بين الرجلين ل «الحياة» عن أن كل الجهود التي بذلت من أجل معالجة الخلاف لا سيما حول التعيينات باءت بالفشل، بما فيها المتعلق بتعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى، إذ إن الاجتماع الذي عقد بينهما بطلب من البطريرك الماروني بشارة الراعي قبل أسابيع في القصر الجمهوري انتهى الى مزيد من الخلاف وخرج منه عون غاضباً على رغم محاولات الراعي التوفيق بينهما، إذ إن عون أصر على مرشحه لرئاسة مجلس القضاء، فيما حاول الراعي إقناع عون بقبول المرشحة التي أيد سليمان توليها المنصب بحكم الأقدمية والكفاءة، القاضية أليس شبطيني، لكن سليمان أبدى استعداداً على رغم ذلك للبحث في اسم ثالث، بينما رفض عون ذلك مصراً على مرشحه القاضي طنوس مشلب. ويذكر المصدر أنه بعد ارفضاض الاجتماع على خلاف، بعث سليمان باقتراح الى الراعي، يقضي بأن يجتمع رؤساء مجلس القضاء الأعلى السابقون ويتفقون على مرشح معين مبدياً استعداده للأخذ بما يقترحون كائناً من كان، للتوصل الى مخرج من جمود التعيينات القضائية التي تتسبب بجمود التعيينات الأساسية المهمة كافة. ويوضح المصدر ل «الحياة» أن الراعي أعجب باقتراح سليمان واعتبره مخرجاً ملائماً قدم فيه رئيس الجمهورية تنازلاً مهماً، فأوفد المطران سمير مظلوم الى العماد عون لينقله اليه، فرفضه، ما أدى الى تعقيد الأمور مجدداً بينهما. ويقول المصدر نفسه إنه نقل عن العماد عون قوله حين فوتح بأسباب رفضه اقتراح الرئيس سليمان: «لم أعد قادراً على تقديم أي تنازل بعد الإطاحة بوزير العمل السابق شربل نحاس». أبعد من التعيينات ويعتبر المصدر أن هذه المواجهة بين سليمان وعون لا تقتصر أسبابها على الخلاف بينهما على التعيينات، بل على الكثير من الأمور، وأنها تأتي في ظل مناخ عام يسود «قوى 8 آذار» منذ مدة، هو الذي يفسر تضامنها في وجه سياسة يتبعها سليمان وقوى أخرى في الأكثرية، في ضوء التطورات الحاصلة على صعيد الأزمة السورية ومستقبل الوضع اللبناني، إن على مستوى أداء الحكومة أو في ما يخص الحسابات الانتخابية للانتخابات النيابية عام 2013. ويتحدث المصدر عن جملة معطيات في هذا الصدد تفسّر أسباب انضمام قوى 8 آذار الى موقف عون بالإصرار على رئيس الجمهورية أن يصدر مرسوم مشروع قانون تشريع رفع الإنفاق بقيمة 8900 بليون ليرة لبنانية لعام 2011، بعدما حال تقارب الموقف بين المعارضة (قوى 14 آذار) وبين رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط دون حصوله على الأكثرية في البرلمان، نظراً الى إصرار «تيار المستقبل» على ربطه بتشريع رفع سقف الإنفاق لحكومتي الرئيس فؤاد السنيورة بقيمة 11 بليون دولار بين 2006 و2009، الذي تستخدمه قوى 8 آذار لاتهام «المستقبل» بالإنفاق غير القانوني. وفي جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الأربعاء الماضي انضم وزراء حركة «أمل» و «حزب الله» بقوة الى مطلب «التيار الوطني الحر» من سليمان أن يصدر مرسوم ال 8900 بليون ليرة لأن حقه الدستوري يجيز له ذلك بعد مضي 40 يوماً على عرضه في الهيئة العامة للبرلمان، ورفضوا حجج الرئيس بأن لجنة المال النيابية وضعت ملاحظات قانونية عليه، ما يعرّضه للطعن في حال توقيعه. ويتفق المصدر الرسمي مع غير مصدر وزاري على أن وزراء «أمل» و «حزب الله» وعون ذهبوا الى حد اتهام سليمان مواربة بأنه يساهم في إعاقة الإنفاق العام وإعاقة تنفيذ مشاريع الوزارات وتجميد عمل الحكومة، ما حمل وزراء جبهة النضال الوطني الى الدفاع عنه. عوامل الحملة على سليمان ويعدد المصدر الرسمي جملة عوامل تداخلت في سياق الحملة على رئيس الجمهورية كالآتي: 1 - اعتبار «حزب الله» وحلفاء سورية أن سليمان ومعه ميقاتي لا يراعيان مطالب العماد عون كحليف أساسي في الأكثرية التي تتكون منها الحكومة، ولا يساعدان على إيجاد المخارج لإرضائه. 2 - القيادة السورية، ومعها حلفاؤها في بيروت و «حزب الله»، لديها مآخذ على السياسة الرسمية اللبنانية بالنأي بالنفس عن الأزمة السورية، وصولاً الى مراعاة الموقف الغربي بوجوب تقديم الرعاية للنازحين السوريين وصولاً الى توجيه السفير السوري علي عبدالكريم علي الانتقادات المباشرة الى سليمان حول طريقة تعاطيه مع استشهاد الزميل المصور في محطة «الجديد» علي شعبان قبل أكثر من أسبوعين (والانتقاد نفسه وجّه الى ميقاتي)، ويفيد المصدر نفسه بأن الجانب السوري أبلغ سليمان عدم ارتياحه الى الاتهام غير المباشر للجيش السوري بقتل شعبان وقيل له إن المصور كان في سيارة زجاجها أسود وأن رئيس الجمهورية لم يستنكر مقتل أحد الحجاج اللبنانيين وعناصر من الأمن العام السوري حين سقطت قذيفة عليهم قبل أسبوع من الحادث مع فريق «الجديد»، فكان رد رئيس الجمهورية بأن مقتل شعبان حصل على الارض اللبنانية والضحية لبناني ومن الطبيعي أن يستنكر ذلك، فيما حادث الأمن العام السوري وقع داخل الأراضي السورية، والسلطات تتهم المجموعات المسلحة للمعارضة السورية به، فهل دوره أن يستنكر أموراً اتهمت بها مجموعات المعارضة في وقت هو يأخذ موقفاً يدعو الى وقف العنف في سورية؟ ويوضح المصدر أن الجانب السوري لم يكن مرتاحاً لعدم تجاوب سليمان أو ميقاتي مع عدد من المطالب، أبرزها: تسليم المطلوبين الذين قدمت دمشق لوائح اسمية بهم الى لبنان، من النازحين في الشمال، وضع حد لمشايخ الدين الذين ينشطون ويلقون الخطب ضد النظام في سورية عن مواصلة نشاطاتهم، وأخيراً الطلب الى الوزراء الذين يتعاطفون مع النازحين السوريين ويدعون الى تقديم المساعدات اليهم، عن اعتماد هذه السياسة. تبرم من مواقف جنبلاط 3 - ان الجانب السوري و «حزب الله» بدأ يتبرم من مواقف النائب جنبلاط ووزرائه، نتيجة اتساع رقعة الخلاف معه حول الأزمة السورية، مطالب العماد عون، موضوع تشريع رفع سقف الإنفاق، وقانون الانتخاب. ويعتبر أن تلاقي مواقف سليمان وميقاتي وجنبلاط في عدد من الملفات بات متعباً للأكثرية الحاكمة. وازداد القلق من مواقف جنبلاط بعد زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية حيث اجتمع الى وزير الخارجية سعود الفيصل في أول خطوة على طريق استعادة علاقته مع المملكة. ويذكر المصدر أنه سبق هذه الأجواء تبلّغ ميقاتي ملاحظات من دمشق عبر زوارها من المقربين اليه حيال سياسة النأي بالنفس، وحيال ما تسرّب عن حوار بينه وبين الرئيس السنيورة حول فكرة تشكيل حكومة حيادية تشرف على الانتخابات النيابية، قبل شهرين، وهو ما كشفه وزير المال محمد الصفدي علناً قبل 3 أسابيع في معرض شرحه للخلافات بينه وبين رئيس الحكومة. ويقول المصدر نفسه إن ميقاتي اضطر نتيجة تراكم الانتقادات حيال سياسته من دمشق و «حزب الله» الى «تدوير الزوايا» في علاقته مع عون إرضاء لشركائه في الحكومة وخصوصاً «حزب الله» فتساهل حيال بعض مطالب وزراء عون، في محاولة لتحييد نفسه، ونفى كل الأنباء عن اتفاقات بينه وبين السنيورة وقال للذين فاتحوه بالأمر من «قوى 8 آذار»: «من قال إنني أريد تغييراً حكومياً؟ ومن قال إنني أنوي العزوف عن الترشح للانتخابات؟ هذا غير صحيح». وفي معلومات المصدر نفسه أن هذه الأجواء بمجملها لم تكن بعيدة عما أحاط بالدعوة الى جلسة المناقشة العامة في المجلس النيابي، التي ترك فيها الرئيس بري لكل الفرقاء التعبير عن آرائهم فيها حيال الحكومة من جهة وسعى الى إدارة النقاش خلالها بحيث يضع حدوداً لفلتان الأمور على الشكل الذي حصل من جهة ثانية. أما الرئيس ميقاتي فاعتماده سياسة «تدوير الزوايا» قاده الى الإقلال من المواجهة مع قوى الأكثرية الى درجة أنه اكتفى بالاستماع خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أثناء حملة 8 آذار الضاغطة على سليمان في شأن ملف الإنفاق. ويعتقد المصدر الرسمي نفسه ان قرار تحالف «أمل»، «حزب الله» و «التيار الحر» اتباع سياسة هجومية استكمل بتقدمهم بطلب تشكيل لجنة تحقيق نيابية بالإنفاق منذ عام 1993 رداً على الحملة التي شنتها المعارضة على سياسة هذا التحالف في الملف المالي والكهرباء وضد سلاح «حزب الله»، جاء في الوقت نفسه لنقل المعركة الى البرلمان بعد أن أصر الرئيس سليمان على أن يُحلّ موضوع الإنفاق في المجلس النيابي. الإنفاق الى تعقيد ويرى المصدر الرسمي أن توافق «أمل» و «حزب الله» و «التيار الحر» على سياسة هجومية لن يساعد في إيجاد مخارج لموضوع الإنفاق المالي بل سيزيد الأمور تعقيداً إذ ان البرلمان سيكون أمام مطلب تشكيل لجنة تحقيق مقابل طلب آخر بتشكيل لجنة تحقيق من المعارضة، تعويضاً عن رفض رئيس الجمهورية توقيع مرسوم رفع سقف الإنفاق، وكل هذا سيقود الى طريق مسدود في معالجة هذا الملف ويزيد من الشلل في عمل الحكومة. فالسياسة الهجومية أدت الى وضع رئيس الجمهورية في موقع المواجهة ونقلها الى البرلمان سيعيد فرز الأكثرية لغير مصلحة معالجة ملف الإنفاق، إلا إذا عاد الرئيس بري الى التدخل لمصلحة مخرج يرضي جميع الفرقاء.