«حياتنا خالية من الحياة» جملة تختصر حياة أهل غوطة دمشق المحاصرة بنوعين من الحواجز، الأولى للنظام والثانية لكتائب الغوطة التي يشكل «جيش الإسلام» بقيادة زهران علوش أهمها، وإن كان حديث الكتائب ليس موضوع التقرير، فإن شهادات من داخل الغوطة توضح الحال التي وصلت إليها الحياة الحقيقية لكل من بقي في الغوطة. تجارة المعابر بدأ الحصار المطلق على بلدات الغوطة منذ سنة تقريباً، إذ أغلق النظام المنفذين الوحيدين المتبقيين للناس هناك «معبر المليحة ومعبر الوافدين»، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الناس هناك تتلخص بثلاث كلمات وفق ما وصفها الناشط والمسعف الميداني «أبو منذر» إنها «تجارة المعابر والأرواح». في الغوطة نوعان من الحواجز، حواجز النظام وحواجز الكتائب العسكرية، وعلى رغم أن الطرفين يختلفان على كل شيء، إلا أن بعض حواجز الكتائب وحواجز النظام اتفقت على تجارة الحروب، وكنز الأموال، والتآمر مع التجار وقبض الرشى، ليصبح التجار هم الفئة الآمرة الناهية في السماح بدخول مواد غذائية أو أدوية وحجب المواد التي ينوون رفع سعرها. والاتفاقات الضمنية والعلنية بين النظام وبعض حواجز الكتائب بدأت في الفترة الأولى من الثورة السورية، إذ قامت العلاقة على رشوة يقدمها معارضون لتمرير ما يريدون تمريره، حتى أن تلك الاتفاقات انتشرت في كل المدن الثائرة في البداية، ولكنها في الغوطة اتخذت طابعاً آخر، إذ دخل التجار كلاعب رئيسي، وازدهار تجارتهم كان على حساب دم الناس في الغوطة. ويعدّ معبر الوافدين المعبر الأهم لجهة سيطرة التجار والوصوليين عليه، إذ تتم عمليات المقايضة على كل ما يمكن أن يمر من هناك، ليصبح النظام والتجار والقائمون على الحاجز يداً واحدة في وجه لقمة حياة الناس هناك، وفق ما أكد أبو منذر. ويؤكد عمار الإعلامي في «جبهة النصرة» الموجودة في الغوطة الشرقية ذلك، ويقول إن الاتفاقيات والمقايضات بين بعض حواجز الكتائب وحواجز النظام صحيحة، ويتم إغلاقها متى يريد التاجر، وبذلك ترتفع أسعار المواد الغذائية أكثر من 300 في المئة. وكما كل التناقضات في سورية، فإن ثمة من ينقل صوراً عدة من المكان نفسه، وإن كان الجميع يتفق على أن الحصار الأساسي سببه وفاعله النظام، فإن مراسل شبكة «سورية مباشر» براء عبدالرحمن يتهم النظام وحده بسياسة تجويع المدنيين، ويقول إن النظام يسيطر على كل منافذ الغوطة الشرقية ولجأ إلى سلاح الحصار وتجويع المدنيين بعد عجزه اقتحام الغوطة. ويرجع عبدالرحمن ارتفاع الأسعار إلى منع النظام دخول أية مواد غذائية إلى الغوطة، ومن ثم تهريب تلك الأغذية والبضائع بأسعار مضاعفة إى الداخل، ويوافق على أن التجار لاعب رئيسي في احتكار المواد وتخزينها وبيعها بأسعار خيالية. ليمر الإنسان لا توجد غير طريقة واحدة، عليه أن يحمل مبلغاً كبيراً جداً من المال ليدفعه رشوة للواقفين على الحاجز، يقول أبو منذر. ويتابع أنه تم فتح معبر حرستا قبل أيام، وتم تحديد سعر لكل شخص يريد المرور «شعب واحد... تسعيرة واحدة». ويصف عمار الخروح من الغوطة إلى دمشق بالأمر «شبه المستحيل» ذلك أنه، ووفق كلامه، «لا يمكن أن يخرج شخص من دون أن يدفع المال لحواجز النظام، فمنذ يومين حاول شخص هو وعائلته الخروج بسيارة من حاجز مخيم الوافدين التابع للنظام، ولكن لم يسمح له قبل أن يدفع مبلغ ثلاثمئة ألف ليرة». ويحدث أن يتم اعتقال أي شاب عند الحاجز، والتهمة غير مهمة فلائحة الاتهامات طويلة ومتنوعة ويمكن اختيار أي تهمة للشاب «مشروع المعتقل» ومن معه، وتتنوع تلك التهم ما بين «التخاذل عن الجهاد، التعامل مع النظام، التعامل مع داعش»، بالنسبة إلى حواجز الكتائب، وتنقلب تلك التهم إلى النقيض في حواجز النظام. ووفق إعلامي «النصرة» عمار، فإن ثمة تجاوزات للكتائب المسلحة، خصوصاً «جيش الإسلام»، «تمثلت بمداهمات منازل المدنيين واقتحامها بحجة اعتقال عناصر من داعش». ويؤكد المسعف أبو منذر أن من يتم اعتقاله يتم تصويره وتعذيبه وإرسال صورته ُلى بقية المعابر (الحواجز) لمنعه من الخروج في شكل نهائي خارج الغوطة. انتهاكات الإعلاميين انقسم شهود العيان والنشطاء والإعلاميون في الغوطة إلى قسمين، الأول نشط في مديح الكتائب والقائمين عليها، وفي نشر أخبار انتصارات وزيارات وبيانات تلك الكتائب، وهؤلاء إعلاميون نالوا رضا الكتائب، وحصلوا على ثمن نشاطهم بطرق متعددة تبدأ بالمال ولا تنتهي بالرفاهية والدعم وفق ما وصف أبو منذر. وبقي القسم الآخر الذي حاول التحدث عما يحدث داخل الغوطة من انتهاكات وتجاوزات، بقي أولئك قيد الاعتقال، وتم تكميم أفواههم في شكل كامل والقضاء على أصواتهم، ووفق ما أكد أبو منذر وعمار، فإن ثمة أسماء لا يمكن ذكرها لأنهم لا يزالون داخل الغوطة. وفي الجهة الثانية ينفي براء عبدالرحمن حصول اعتقالات للإعلاميين جملة وتفصيلاً. ويقول إنه يوجد «مئات الناشطين داخل الغوطة لم يتعرض أحد منهم لأي انتهاك أو اعتقال أو أذى» من جهة الكتائب المسلحة. أوبئة تنهش الناس الغوطة تعيش بلا ماء نظيف منذ عام ونصف العام تقريباً، وأصبح الحصول على ماء نظيف مهمة شبه مستحيلة هناك، ووصل سعر لوح الثلج إلى 1800 ليرة سورية، ولغياب المياه النظيفة نتائج كارثية أولها دخول مرض التيفوئيد إلى الغوطة، وعلى رغم أنه لا يزال محدوداً إلا أن أمراضاً أخرى تصنف «أوبئة» دخلت الغوطة وبدأت تنهش صحة الناس. وما تم تأكيده من اللجنة العلمية في المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية أن الأمراض التي انتشرت أخيراً في الغوطة، والتي اعتقد الناس أنها تيفوئيد وتتلخص أعراضها بإسهالات حادة، هي عبارة عن جرثومة أو إسهال جرثومي حاد، إضافة إلى إصابات بالتهاب الكبد والتيفوئيد. ووفق أرقام المكتب الطبي، فإن المصابين بالتيفوئيد وصلت أعداداهم إلى بضعة آلاف، وكذلك المصابين بالإسهالات الحادة وبالتهاب الكبد. أما السل فلا تزال الإصابات به بحدود ال100 إصابة. تجار الحروب الدخان والحشيش، البضاعة الأكثر رواجاً في الغوطة، حتى أن بعض الشباب يقولون «ليت الدخان والحشيش طعام لشبعنا ليلاً ونهاراً» في دلالة على عدم انقطاعه من المنطقة، عند تجار الحروب. أما بقية المواد الغذائية والأدوية فهي غير متوافرة، وتحصل اتفاقات علنية بين التجار والضباط التابعين للنظام مع بعض الحواجز التابعة لبعض الكتائب حيث يتم منع دخول مادة معينة إلى حين يرتفع ثمنها في شكل جنوني فيعطي التاجر الإشارة بالسماح لبضاعته فقط بالمرور وبيعها بأسعار باهظة جداً، والحاجز يتلقى على هذه «الخدمة» مبالغ طائلة تجعل منه مشروع تاجر في المستقبل، إضافة إلى أخذ الكتائب حصتها من العملية. ويمتاز أولئك التجار بأنهم على الحياد منذ بداية الثورة في سورية، يساومون النظام ويساومون المعارضة، وهم الآن يتحكمون بكل ما يدخل ويخرج من الغوطة وإليها. وربما لا يعرف سكان دمشق أن كيلو الرز الذي يباع ب300 ليرة سورية في الأسواق يباع داخل الغوطة ب900 ليرة، ويصل سعر كيلو السكر إلى 450 ليرة في مقابل 100 خارج الغوطة، وسعر كيلو الفول أو العدس 800 بينما يباع خارج الغوطة ب200 ليرة. منطقة منكوبة تمتد الغوطة من المتحلق الجنوبي لطريق المطار، وتشمل بلدات تشكل مداخل لمدينة دمشق، وتبقى دوما وضواحيها وحرستا وضواحيها الأهم والأكبر، وإلى الأمس القريب كانت بلدات وضواحي الغوطة: العتيبة وزملكا والنشابية وغيرها مسرحاً لعمليات «لواء أبو الفضل العباس الشيعي»، وميليشيا «حزب الله» اللبناني، ولتصبح بعد ذلك مركزاً لتنظيم «الدولة الإسلامية» إلى ما قبل بضعة أسابيع عندما أعلن «جيش الإسلام» في 2 تموز (يوليو) طرد هذا التنظيم من منطقة المرج في الغوطة الشرقية في ريف دمشق. تقسم الغوطة إلى ثلاثة أقسام، قطاع دوما وضواحيها: الشيفونية والنشابية وحوش الضواهرة وحوش الفارة... وقطاع أوسط: حرستا وعربين وزملكا ومسرابا ومديرة وحمورية... وقطاع منطقة المرج وأهم بلدة فيه العتيبة التي تعد أكبر منفذ من الغوطة إلى القلمون والأردن، ومن أهم منافذ توريد السلاح. معبر العتيبة حالياً مع النظام بعد أن أخذه بعد معركة منذ ما يقارب السنة والنصف، والمغالطات التي يروجها الإعلام التابع للكتائب في الغوطة أن هذا المعبر مغلق تماماً، ولكن الحقيقة أن تلك الكتائب تجد طريقة للمرور إلى تركيا من طريق المعبر. ويوجد معبر حربي للقادة العسكريين، بخاصة زهران علوش وقادته الكبار نحو القلمون والأردن، ويذكر أن علوش جاء من تركيا إلى جوبر منذ حوالى شهر لينفذ عملية كسر الأسوار في الحي الدمشقي.