لا يحتاج المتحدّث الى تعريف. إنه هاشمي رفسنجاني. من الرعيل الأول. كان الى جانب مفجّر الثورة وحاز ثقته. جرب سجون الشّاه وظلم أجهزته. لا يمكن اتّهامه بأنه طارئ. أو أن سفارة تحرّكه. او أنه ممالئ ل «المنافقين». ثم انه يرأس اليوم هيئتين محوريتين في النظام: مجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء. إنه محافظ براغماتي. لا يخلّ بالثوابت لكنه يدرك أن العيش في هذا العالم المتشابك المصالح يحتاج الى قدر من المرونة والمناورة والاعتدال. وللمكان رمزية معروفة ايضا. منبر صلاة الجمعة في جامعة طهران. منه توجّه الرسائل الكبرى الى ابناء الثورة. ومنه اطل المرشد الأعلى علي خامنئي بعد الانتخابات الرئاسية ليبارك شرعية محمود أحمدي نجاد متجاوزاً التشكيك في شرعية فوزه. واليه عاد رفسنجاني ليطلق خطبة ستكون بالتأكيد علامة فارقة في مسار الأزمة المفتوحة. لم يكن متوقعاً ان يلوح رفسنجاني بقبضته فهذا ليس أسلوبه. ولا ان يطلق العبارات الجارحة فهذا ليس قاموسه. لهذا انتظره الناس. لأن شرعيته كاملة في الحديث عن مصير الثورة التي شارك في انتصارها. وعن الجمهورية التي أدارها ثم تقلب في مواقع عدة فيها. ليس سراً ان الود مفقود بينه وبين احمدي نجاد الذي حاول اتهامه بالفساد ما دفع المرشد الى تنبيهه والإشادة برفسنجاني. تحدث رفسنجاني ببراعة ومن دون اصدار احكام قاطعة او استفزازية. قدم نفسه في صورة الرجل المعني بإنقاذ الجمهورية من خطر الانزلاق وإنقاذ الثورة من خطر الوقوع في طلاق مع تيار عريض من أبنائها. لم يتوقف عند المرشد. عاد الى الإمام الخميني وحرصه على الاعتماد على الشعب بشكل مباشر. قال إن الشعب هو الحاكم الحقيقي ولذا يجب احترام رأيه. وقال إن الأمل كان بأن تتوّج المشاركة الشعبية بانتخابات حرّة. غياب الأحكام القاطعة والمباشرة لا يقلّل من خطورة ما قاله رفسنجاني. أخطر ما في كلامه تأكيده ومن ذلك المنبر أن البلاد تمرّ ب «أيام صعبة ومرّة». إنه تأكيد لوجود ازمة عميقة تشكل خطراً على النظام. تحدث عن ازمة ثقة. دعا الى العمل من أجل إعادة ثقة الشعب بالنظام. يمكن القول إن رفسنجاني سدّد ضربة قوية الى الرواية الرسمية التي اعتبرت الاحتجاجات التي فجّرها مير حسين موسوي ثمرة تحريض قامت به دوائر أجنبية. كانت الرواية تعد الناس لاعتبار قادة الاحتجاجات خونة أو دمى يحركها أعداء الثورة. ومثل هذه الاتهامات تعتبر المقدمة الضرورية لعزل المحتجين وقمعهم وربما تصفية بعض رموزهم. بخطاب واحد أسقط رفسنجاني جهوداً بذلها كبار المسؤولين لتصوير ما حدث بعد الانتخابات وكأنه وليد مشكلة مع الخارج وليس مع الداخل. دعوته الجميع الى احترام القانون تصبّ في السياق نفسه. فعندما تدعو المؤسسات الرسمية الى التزام حدود القانون فهذا يعني أنك تتّهمها بانتهاكه. وحين يدعو رفسنجاني الى اطلاق المعتقلين وتعويض المتضرّرين فهذا يعني انه ينكر على الأجهزة الحق في اعتقالهم. ثم ان هذه الدعوة وجهت في حضور موسوي الذي اعتبر ان حكومة أحمدي نجاد الجديدة ستفتقر الى الشّرعية. كشف هاشمي رفسنجاني خطورة الأحداث التي تعيشها ايران. أزمة عميقة ألحقت ضرراً بهالة المرشد وطرحت علامات استفهام حول شرعية الرئيس وهزّت صورة المؤسسات. ألقى رفسنجاني خطاباً كان يفترض أن يلقيه المرشد غداة إعلان نتائج الانتخابات. ولو فعل المرشد لسلكت الأزمة طريق الحل أو اتّخذت منحى أقل خطورة. في ولايته الأولى تصرّف أحمدي نجاد كملاكم يوجّه ضرباته الى أعداء الخارج. في ولايته الثانية سيتعيّن عليه أن يتلقى لكمات الداخل أيضاً. يمكن القول إن الثورة الإيرانية بنظامها ومرشدها ورئيسها دخلت في امتحان كبير.