مع أنها تبنت لهجة حازمة غير معتادة حيال حليفتها إسرائيل مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين في غزة، وجّهت واشنطن أمس الجمعة بعد ساعات على انهيار الهدنة في القطاع، أصابع الاتهام الى جهة واحدة تعتبرها مسؤولة هي "حماس". فبينما كانت حركة "المقاومة الاسلامية" (حماس) وإسرائيل تتبادلان الاتهامات بشأن انهيار هذه الهدنة التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري ل 72 ساعة، دان البيت الأبيض الانتهاك "الهمجي" للاتفاق من قبل "حماس". وتفسر المعلومات عن احتمال خطف جندي إسرائيلي خلال مواجهة قُتل فيها جنديان، الى حد كبير هذه الإدانة الواضحة والسريعة جدا من قبل واشنطن، إذ قال الرئيس الأميركية باراك أوباما "ندّدنا بوضوح بحماس والفصائل الفلسطينية المسؤولة عن قتل جنديين إسرائيليين وخطف ثالث بعد دقائق فقط على إعلان وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة"، مضيفاً "إذا كانوا جدّيّين في رغبتهم بالسعي للتوصّل الى حلّ لهذا لاوضع، فلا بد من إطلاق سراح هذا الجندي من دون شروط وبأسرع وقت ممكن. وتابع أوباما أنه "سيكون من الصعب جداً التوصل إلى وقف لإطلاق النار في حال لم يستطع الإسرائيليون والمجتمع الدولي الوثوق بأن حماس ستلتزم بتعهّداتها". وفي الوقت نفسه، وافق الكونغرس الأميركي الجمعة على تخصيص مبلغ مقداره 225 مليون دولار لتمويل منظومة القبة الحديدية الدفاعية لاعتراض الصواريخ التي تطلقها "حماس" على إسرائيل قبل وصولها الى أهدافها. ودان وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي بذل جهودا شاقة في الأيام الأخيرة لدفع الطرفين الى القبول بوقف لإطلاق النار، خطف الجندي، الحادثة التي تذكر بخطف الجندي الفرنسي الإسرائيلي جلعاد شاليط والتي أدّت إلى عمليات عسكرية إسرائيلية استمرت خمسة أشهر ضد غزة. وأُفرج عن شاليط في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مقابل إطلاق سراح حوالي ألف أسير فلسطيني. وقال مسؤول أميركي إن كيري أجرى محادثات هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزيري خارجية تركيا وقطر- البلدان اللذان يُعتبران الأكثر تأثيرا على "حماس"، مؤكّداً "هدفنا لم يتغير وهو التوصل الى وقف لإطلاق النار". وردا على سؤال عن إمكان وجود لبس في بنود وقف إطلاق النار مرتبط خصوصا بالشروط التي تسمح لإسرائيل بمواصلة عملياتها "الدفاعية" ضد الأنفاق التي حفرتها "حماس"، استبعد المتحدث بإسم البيت الأبيض جوش إرنست بشكل قاطع هذه الفرضية. وقال لشبكة "سي أن أن" "التزمنا الشفافية وكل الأطراف المشاركة كانت شفافة بشأن مضمون هذا الاتفاق. حماس تتحمل مسؤولية احترام الاتفاق ولم تفعل ذلك". من جهته، أكد مسؤول في "حماس" في القاهرة أن الحركة لم تنفذ أي عملية بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. كما أكدت كتائب "عز الدين القسّام" الجناح العسكري للحركة في بيان فجر اليوم السبت انها لا تملك أي معلومات عن الجندي الإسرائيلي الذي أعلنت تل أبيب خطفه خلال مواجهات الجمعة في جنوب قطاع غزة، قائلةً "إننا في كتائب القسام لا علم لنا حتى اللحظة بموضوع الجندي المفقود ولا بمكان وجوده أو ظروف اختفائه". لكنّها أضافت "فقدنا الاتصال بمجموعة المجاهدين التي كانت موجودة في مكان وقوع المواجهات ونرجح أن يكون جميع أفرادها استشهدوا في القصف الصهيوني ومن بينهم الجندي الذي يتحدث العدو عن اختفائه، مفترضاً أن مقاتلينا أسروه أثناء الاشتباك"، فيما قُتل 40 فلسطينيا على الأقل وجرح أكثر من 250 آخرين في عمليات إسرائيلية مكثّفة تلت فقدان الجندي الإسرائيلي. وقال كيري في تعليقٍ بعد سقوط الهدنة، إن "ما سيتسبّب به هذا الهجوم المشين لحماس ويخلّفه من خسائر لدى الطرفين، سيكون مأساوياً". وتتناقض نبرة رد فعل البيت الأبيض مع الدعوات الأميركية التي اتسمت في الأيام الأخيرة ببعض الحزم المتزايد حيال إسرائيل "لتبذل المزيد من الجهود" من أجل تفادي سقوط ضحايا مدنيين في عمليّتها ضد القطاع، علماً أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا منذ بداية عملية "الجرف الصامد" في الثامن من تموز (يوليو)، تجاوز عدد الذين سقطوا في عملية "الرصاص المصبوب" أواخر العام 2008. وفي آخر حصيلة لضحايا هذا الهجوم، تحدث المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة عن مقتل 1640 فلسطينيا، فيما تُشير الأممالمتحدة إلى ان ثلاثة أرباع القتلى من المدنيين وبينهم عدد كبير من الأطفال وتوزّع أكثر من 230 ألف فلسطيني على 85 مركزاً تابعاً ل"الأونروا" في القطاع. تجدر الإشارة إلى أنه سبق وصدر عن واشنطن ردّ فعل عنيف بعد قصف إسرائيل أحد هذه المراكز الأربعاء الماضي في مخيّم جباليا شمال القطاع. وحرص البيت الأبيض حينها على التشديد على أن المسؤولية الإسرائيلية عن هذا القصف ليست موضع شكّ، مؤكدا أن قصف مبنى للأمم المتحدة "يستقبل مدنيين أبرياء فارين من العنف، غير مقبول على الإطلاق ولا يمكن الدفاع عنه".