ما زال الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح يحتل مركز الصدارة بين جميع المرشحين، على رغم كل قرارات الاستبعاد من اللجنة العليا للانتخابات، كما سنرى لاحقاً. وسيظل الترشح لمنصب الرئاسة عرضة للتغير ومفتوحاً على كل الاحتمالات والمفاجآت، بل إن انتخابات الرئاسة في مجملها لا تزال تخضع للإشاعات حول تأجيلها بحجة إنهاء إشكال الجمعية التأسيسية. وعلى رغم أن بعضاً من المراقبين يرى في المشهد السياسي عبثية، إلا أننا نرى أن كل ما يجري أمر طبيعي ونتوقع كثيراً من الاضطراب في العملية السياسية في السنوات الخمس الأولى وذلك مخاض التحول الى الديموقراطية. المشهد السياسي في مصر مضطرب ومتسارع ويمكن وصفه بمشهد أزمة الثقة التي تلف كل جوانب المشهد شكلاً وموضوعاً. من جانب أول، انتهت غلبة وجلبة مليونية ميدان التحرير يوم الجمعة 20 نيسان (أبريل)، وأجمعت على ثلاث رسائل: الأولى، رفض حكم العسكر، والثانية، عزل الفلول، والثالثة، عدم هيمنة الإسلاميين على القرار السياسي، ما يعني أن الكل لا يثق في الكل. وخرج خيرت الشاطر في شكل مهني واحترافي من سباق الرئاسة بعد استبعاده من لجنة الانتخابات، وأعلن دعمه للدكتور محمد مرسي الذي اعلن عزمه على الاستقالة من منصبه كرئيس لحزب الحرية والعدالة في حال انتخابه، وخرج عمر سليمان بصمت و «من دون تعليق»، وخرج حازم أبو إسماعيل، لكن بضجيج وتشنج وممارسات منه شخصياً ومن أنصاره ومحاولة اقتحام لجنة الانتخابات، وبعد ذلك الاعتصام أمام اللجنة واتهامات صريحة بالخيانة، ومن ثم تشنج واعتصام وفوضى في قلب الميدان تلك الممارسات التي تنعكس سلباً على صورة الإسلاميين ومفهومهم للسلطة وكيفية التعامل مع النجاح والخسارة في لعبة الديموقراطية، وأخيراً، خرج أحمد شفيق بقانون التوقف عن ممارسة الحياة السياسية بعد رفض المحكمة الدستورية الحكم لعدم الاختصاص. ولا يزال تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور خاضعاً للمشاورات القانونية والمناورات السياسية، وفي هذه الحال تعدى الأمر موضوع الثقة. في مشهد آخر من المشهد، يشكل منصب الرئيس في مصر السلطة الحقيقية في أذهان الغالبية الساحقة من المصريين، لذا من المتوقع أن تشهد صناديق الاقتراع إقبالاً جماهيرياً كبيراً في ظل أجواء الحرية غير المسبوقة التي يتمتع بها المواطن المصري بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير). في الوقت ذاته يتم الترشح لمنصب الرئاسة، والحماسة للحملة الانتخابية، وطرح بنامج مرشحي الرئاسة وبالتالي الذهاب إلى صناديق الاقتراع ثم الفوز بالمنصب في غياب الدستور الذي يحدد شكل الرئاسة ومضمونها ومدتها، ما يجعل المشهد معقداً ويطرح عدداً من الإشكالات. الأول، تنافس المرشحين على منصب لم تتحدد وظائفه أو مسؤولياته أو صلاحياته. الثاني، الأسس والقواعد التي على أساسها يقدم كل مرشح برنامجه الانتخابي، وبالتالي تقديم الوعود للناخبين. الثالث، غياب الصورة الكاملة عن المرشحين بعد عهد طويل من التكتم وعدم الشفافية في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فالحقيقة التي تشكل الأرضية المعرفية لكل مرشح غائبة أو مغيبة تماماً وهو ما طالب به الصحافي المخضرم محمد حسنين هيكل بأهمية فتح «الصندوق الأسود». الرابع، برلمان حديث عهد بالممارسات الديموقراطية. ولتوضيح المشهد واستكمالاً لما بدأناه في الأسبوع الماضي حول مرشحي الرئاسة الذي أكدنا فيه أن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح هو المرشح الأوفر حظاً من جميع المرشحين، خصوصاً بين المرشحين البارزين: مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي، ومرشح حزب الوفد عمرو موسى. تشير الدراسة التي أجريناها وفق معايير ومنهجية خاصة، إلى أن أبو الفتوح هو أكثر المستفيدين من استبعاد المرشحين المحتملين الأربعة: عمر سليمان، خيرت الشاطر، وحازم أبو اسماعيل، بقرار من لجنة الانتخابات، وأحمد شفيق بقانون ممارسة الحياة السياسية، أما المستفيد الأكبر فهي الكتلة المتأرجحة التي ستُقرر في الأيام أو اللحظة الأخيرة أي مرشح يتم له التصويت. وحصل جميع المرشحين بعد قرار الاستبعاد على نقطتين مئويتين، بينما حصل أبو الفتوح على أربع نقاط، لتصبح النتيجة بتاريخ 23 نيسان كالآتي: عبدالمنعم أبو الفتوح 17 في المئة، عمرو موسى 15 في المئة، محمد مرسي 12 في المئة، سليم العوا 11 في المئة، حامدين صباحي10 في المئة، آخرون 8 في المئة. أما الكتلة المتأرجحة فحصلت على 27 في المئة يعني أكثر من 8 ملايين صوت. والنتائج السابقة مقبولة وجيدة في ظل المشهد السياسي العام وحداثة التجربة الرئاسية. نود أن نشير إلى أن الدراسة حددت عدداً من السمات المطلوبة في منصب الرئيس وهي: الرؤية، الخبرة، القوة، الأمانة، العلم، التواضع، والمرونة. السمات السبع هي المحدد الدقيق لاختيار الرئيس. وأجمع الباحثون على أن من تتوافر فيه الرؤية الصائبة يمكنه الجمع بين السمات الست الأخرى لأن الرؤية تنبع من عدد من الصفات والسمات الشخصية وتدل عليها في الوقت ذاته. ويمكن تحديد رؤية كل مرشح من خلال عناصر عدة في برنامج المرشح مثل: المحاور، والأولويات، والزمن، والكلفة، ومصدر التمويل والآليات والواقعية. ولو أردنا أن نقارن بين اثنين من المرشحين الأوفر حظاً حتى اليوم وهم عمرو موسى وعبدالمنعم أبو الفتوح نجد أن عمرو موسى، حتى ولو لم يعلن رسمياً عن برنامجه الانتخابي، يحاول وضع محاربة الفساد كأولوية وهو يعلم أموراً عدة: الأول، أن محاربة الفساد جملة غير ذي معنى وأنها لدغدغة مشاعر كثير من الشعب الذين عانوا من فساد النظام السابق. الثاني، أن محاربة الفساد تتأتى من سن القوانين ومن سيادته وهو الأهم، والمعروف أن القوانين هي من عمل البرلمان وليس الرئيس. الثالث، أن ملاحقة الفساد تتطلب وقتاً قد يصل إلى عقد من الزمان يتعدى أكثر من فترتين رئاسيتين، وجهداً يجعل من إنتاجية الرئيس في القضايا الأخرى صفراً على الشمال، هذا مع افتراض صدق النية والحسن في العمل. القضية الثانية، أن التنمية في برنامج عمرو موسى مبهمة وباهظة التكاليف وذات صورة وردية، وغالب الظن أن المرشح الرئاسي يعتمد على الخارج في تنفيذ برنامجه السياسي وبالتحديد الولاياتالمتحدة، والخليج والاتحاد الأوروبي، وهذا المنهج سيخرجه حتماً من السباق، على افتراض أن الناخبين تجاوزوا عن موضوع كونه من الفلول وعلاقته بالنظام السابق، ووثيقة تصدير الغاز لإسرائيل. إذ إن السياسة الخارجية تحتل أدنى الأولويات في قائمة الناخب المصري، كما تشكل إسرائيل، والولاياتالمتحدة، والخليج الشبهة الأكبر في عقل وذهن الشارع المصري. ولنا في قضية التمويل الأجنبي خير مثال، فضلاً عن كثير من الإشاعات حول تمويل الدول، الآنفة الذكر، الحملات الانتخابية لبعض المرشحين. في المقابل، نجد أن عبدالمنعم أبو الفتوح يضع برنامجاً واضحاً طرحه للنقاش المجتمعي، أهم ما فيه استقلال القرار المصري على العكس من منافسه، كما وضع أفكاراً إبداعية في التعليم والتدريب والصحة، وبتمويل يعتمد جله على الداخل من خلال وقف الهدر وإعادة تعريف النظام الإداري في مصر وهيكلته، مع إعطاء الأولوية في الاستثمار للمصريين. تبقى ملاحظة شديدة الأهمية، وهي أن الإعلام المصري يقوم بعمل رائع في التعريف بالمرشحين ومحاولة توعية الرأي العام بكثير من الجوانب الواجب معرفتها عن كل مرشح، حاكى فيه كثير من الدول الغربية العريقة في الديموقراطية، على رغم حداثة التجربة المصرية، وفي ظننا، أنه بقدر الحياد والموضوعية والعمق في برامج التعريف بالرئيس المقبل، يتم اختيار الرئيس الأنسب لمصر في مرحلة من أدق مراحلها التاريخية. وهذا يعني أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الإعلام لأنه، كما سبق وأكدنا، يمثل سمع الشعب المصري وبصره. الموقف يحتاج إلى وضع كل مرشح أمام امتحان صعب يبتعد به عن العموميات والتعميمات، كما يركز وبشدة على الأسئلة المباشرة والمحددة ولا يقبل بغير الأجوبة المباشرة والواضحة القاطعة والمحددة احتراماً للناخب المصري ولرسالة الإعلام أيضاً. حفظ الله مصر. * كاتب سعودي. [email protected]