يمكننا أن نجادل بأن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح هو المرشح الأوفر حظاً بمنصب الرئاسة، وذلك بحسب الدراسة التي قمنا بها، بحسب معايير محددة، خصوصاً وضعناها من متابعتنا لمرشحي الرئاسة في مصر، والشأن السياسي، والجدل الثري والمثير على الساحة المصرية، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضعين الإقليمي والدولي. لكننا في البداية نؤكد أن هذا المقال يحمل إشكاليتين، الأولى: أن التطورات المتلاحقة في سباق الرئاسة في مصر تجعل من أي مراقب للشأن السياسي أو كاتب مقال أسبوعي خارج الأحداث، الإشكالية الثانية: أن التنبؤ باسم أو شخص الرئيس في ظل غياب كثير من المعايير العلمية والعملية فيه مغامرة فكرية يحاول معظم الكتّاب في الشأن السياسي الابتعاد عنها وتجنبها لكي لا يقعوا في الخطأ. ومع هذا سنحاول في هذا المقال رسم صورة المشهد السياسي في مصر وتحديد شخصية الرئيس المقبل لمصر، على رغم تسارع الأحداث وغياب المعايير العلمية، معتمدين على أمرين، الأول: وضع معايير خاصة يتم على أساسها تحديد المرشح الأكثر حظاً للوصول إلى مقعد الرئاسة، الثاني: الالتزام بأعلى قدر من الموضوعية والمنهجية العلمية، يبقى علينا أن نكشف أنه في حال نجاح هذه المنهجية في تحديد رئيس مصر المقبل سنحاول أن نطورها عبر دراسة متخصصة، نتمنى أن يشرف عليها رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة. من ناحية ثانية، نود الاعتراف بأن كثيراً من الرؤى والأفكار في عموم ما نكتب عن الشأن المصري، وهذه الدراسة الخاصة بسباق الرئاسة في مصر بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، مستمدة من مصادر مصرية بحتة عبر برنامج «العاشرة مساء»، الذي تقدمه الإعلامية المميزة منى الشاذلي، وما شجعنا على ذلك هو أمران، الأول: إعلانها قبل أيام حياد برنامجها المطلق في دعم أي مرشح بعينه بشكل مباشر أو غير مباشر، ذلك الإعلان الذي يمثل ميثاق شرف إعلامي، تؤسس به الإعلامية المتألقة، والقناة التي تعمل فيها، لعهد جديد وممارسة ديموقراطية تليق بثورة 25 يناير. الأمر الثاني: حسن اختيار ضيوف البرنامج، تنوع وعمق المواضيع، أسلوب البرنامج المميز في الحوار. اعترافنا لا ينفي متابعتنا للكثير من البرامج الحوارية المميزة في الإعلام المصري والعربي والعالمي، ولكننا نركز كثيراً على رؤية مصر من الداخل وبعيون وفكر مصري، ومن أهم تلك البرامج «آخر كلام» ومقدمه المميز يسري فودة. أولاً: تم وضع معايير يتم تقويم كل مرشح على أساسها، كل معيار له ثقل معين تم تحديده من خلال قراءتنا لاهتمامات الشارع المصري، وتشتمل تلك المعايير: العلاقة مع النظام السابق (10)، العلاقة مع الثورة (10)، السيرة الذاتية (10)، الكاريزما (10)، فريق العمل(10)، الحملة الانتخابية (5)، الانطباع الداخلي أو الصدقية (5)، الطبقة الاجتماعية (5)، الدعم الحزبي (5)، البرنامج الانتخابي(5)، المرونة والانفتاح (5)، الأفكار الإبداعية (5)، العمر (5)، الرضا الإقليمي والعربي (5)، الرضا الدولي (5). ثانياً: في الدراسة قسمنا المرشحين للرئاسة في مصر إلى ثلاثة كتل: كتلة البيروقراطيين وهم من كانوا محسوبين أو عملوا مع النظام السابق ومعهم بشكل غير مرئي المجلس العسكري، ومن أبرزهم ثلاثة مرشحين: اللواء عمر سليمان، أول وآخر نائب للرئيس المخلوع ورئيس المخابرات المصرية لقرابة عقدين من الزمن؛ أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء للرئيس المخلوع؛ والسيد عمرو موسى وزير خارجية الرئيس المخلوع لعقد من الزمان، ورجل مبارك في جامعة الدول العربية لعقد آخر من الزمن. وبصرف النظر عن مشروع قانون ممارسة الحياة السياسية المرفوع إلى رئيس المجلس العسكري للتصديق عليه الذي يستبعد لمدة عشر سنوات في حال إقراره كل من اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق من الترشح للرئاسة او ممارسة الحياة السياسية، ذلك القانون الذي تعمد إخراج عمرو موسى من دائرة الشبهة القانونية بحكم أنه قضى عشر سنوات وأشهراً قليلة في جامعة الدول العربية بعد توليه منصب وزير خارجية حسني مبارك، لكن عمرو موسى محسوب من الفلول، ومن أنصار النظام السابق لدى معظم أطياف الشعب المصري. وبصرف النظر أيضاً عن قرار اللجنة العليا للانتخابات حول «العشرة المبشرين بالاستبعاد» الذي يستبعد اللواء عمر سليمان لعدم اكتمال التوكيلات المطلوبة من إحدى المحافظات، يؤكد تقويمنا أن عمرو موسى سيكون في مقدم هذه الكتله من المرشحين. كتلة الثيوقراطيين، وتضم ممثلي الجماعات والأحزاب الدينية، وأبرزهم ثلاثة مرشحين: المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان، الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، كمرشح احتياطي من جماعة الإخوان، وحازم أبو اسماعيل من الجماعات الإسلامية. وأبرز مرشحي الثيوقراطيين هو حازم أبو اسماعيل، بصرف النظر أيضاً عن قرار اللجنة العليا للانتخابات في استبعاد خيرت الشاطر لأنه لم يحصل على حكم برد الاعتبار، كما يقضي القانون، أسوة بالقرار الذي صدر في حق أيمن نور. كما أن حازم أبو اسماعيل من ضمن من استبعدهم قرار اللجنة العليا للانتخابات بسبب جنسية والدته، ما يجعل الدكتور محمد مرسي المرشح الوحيد في هذه الحال، لكن وكما سنرى لاحقاً أنه لا يملك الشعبية التي ستمكنه من الفوز. أما الكتلة الثالثة، فهي كتلة الديموقراطيين، ومن أبرزهم ثلاثة مرشحين: الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، حمدين صباحي، والدكتور سليم العوا، الذي يعبر عنهم بالمستقلين، ويشكل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح الاسم الأقوى والمرشح الصلب في هذه الكتلة.نستنتج هنا أننا أمام ثلاثة مرشحين هم: عمرو موسى عن كتلة البيروقراطيين أو النظام السابق؛ حازم أبو اسماعيل عن كتلة الثيوقراطيين أو الجماعات الإسلامية؛ والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عن الديموقراطيين أو المستقلين. من ناحية أخرى، يبقى عمرو موسى - كما أشرنا سابقاً - سواء بقي عمر سليمان وأحمد شفيق أو استبعدا من السباق. أما في حال استبعاد حازم أبو اسماعيل فلن يكون للدكتور محمد مرسي حظوظ في المنافسة، وستقتصر المنافسة النهائية بين مرشحين اثنين هما: عمرو موسى والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح. ثالثاً: قسمنا الكتل السابقة إلى قسمين: رخوة وصلبة. الكتلة الرخوة: هي الكتلة التي تأخذ وتستقطب من أصوات الكتل الأخرى كما أنها تعطي من أصوات مؤيديها. أما الكتلة الصلبة، فهي الكتلة التي تأخذ وتستقطب من أصوات الكتل الأخرى لكنها لا تعطي أو تفقد من أصوات مؤيديها. كتلة البيروقراطيين والثيوقراطيين هي كتل رخوة، بينما كتلة الديموقراطيين هي كتلة صلبة. فعلى سبيل المثال، في حال استبعاد عمر سليمان أو أحمد شفيق أو الاثنين معاً، فلن يحتفظ عمرو موسى بكامل أصوات مؤيدي الكتلة، لكن سيتوزع جزء كبير من الأصوات على الكتل الأخرى، وكتلة الديموقراطيين تحديداً. الأمر ذاته يندرج على كتلة الثيوقراطيين أو الإسلاميين، استبعاد خيرت الشاطر أو حازم أبو اسماعيل أو الاثنين معاً لن يصب بالكامل لتأييد الدكتور محمد مرسي، بل سيذهب إلى كتلة الديموقراطيين، والغالبية للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح تحديداً، وفي حال أي انسحابات أو اندماجات ستكون كتلة الديموقراطيين الأوفر حظاً في حصد وتجميع واستقطاب أصوات الناخبين، ما يجعل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح هو المرشح الأوفر حظاً بين جميع المرشحين للرئاسة في مصر. رابعاً: افترضنا أن عدد من سيصوت في الانتخابات الرئاسية «30 مليوناً» من اصل «50 مليوناً» لهم حق التصويت، ومنحنا كل كتلة «25 في المئة»، وتم تقسيم العدد بين المرشحين الثلاثة بالتساوي، بحيث حصل كل منهم على «2.5» مليون صوت، وأبقينا ربع عدد الناخبين خارج القسمة لأنهم ناخبي اللحظة الأخيرة ويطلق عليهم الأصوات المائلة «swinging votes»، ويطلق عليهم الدكتور ضياء رشوان «الكتلة الحرجة»، أو «رمانة الميزان». خامساً: قسمنا حاجات الشعب المصري إلى قسمين: حاجات حيوية «معنوية»، أو محسوسة؛ وحاجات حياتية «مادية»، أو ملموسة، الحاجات الحيوية تشمل: الأمن والحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، أما الحاجات الحياتية والملموسة فتشمل: الطعام، الصحة، التعليم، والعمل. النتيجة التي توصلنا إليها من خلال المعايير السابقة هو أن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح هو المرشح الأوفر حظاً، يليه مرشح الجماعات الإسلامية، ويأتي عمرو موسى ثالثاً... تجدر الإشارة إلى أن كل شيء جائز وممكن الحدوث، وأن قائمة الترتيب تتغير بحسب ما يجري على ساحة الانتخابات من تحالفات وانسحابات، وسنحاول تتبع تلك المتغيرات خلال متابعتنا لانتخابات الرئاسة في مصر في الأسابيع المقبلة لثرائها وأهميتها. حفظ الله مصر. * كاتب سعودي. [email protected]