تتذكرون «ياسر وينه» تلك الأهزوجة النشاز السعودية المنشأ التي صدرت بلا رسوم، أبشركم أنها غدت بضاعة كاسدة بلا مشترين أو مصغين، لكني أجزم أن تعاملنا معها كفعل خارج عن آداب الذوق العام كان أحد الأسباب التي أدت إلى ضياع فتى وأي فتى. فعندما تقرر موهبة لا تتكرر بحجم ياسر القحطاني الرحيل للعين، ثم يتبعه بقرار أقوى وهو خلع قميص المنتخب الأخضر للأبد ولا تراوده نفسه البتة للعودة إلى ناديه فتلك رسائل واضحة وصريحة بأن أجواءنا الرياضية محبطة منفرة، استنسر فيها البغاث، في ظل عدم وجود قانون صريح يذعن له الجميع راضين أو صاغرين يسمى في عرف المجتمعات الراقية بقوة النظام، عندما يصمت الوسط الرياضي عن نصرة أحد أبنائه وهو يتعرض للقذف والإهانة له، ويقول مسؤولون فيه وبكل برود: إنهم لا يستطيعون السيطرة على أفواه الجماهير، فهم بالتالي لا يستحقون من يبقى بينهم، هذه هي الحقيقة التي لم يستطع أحد الاعتراف بها، فماذا فعل مسؤولو الاتحاد السعودي ولجانه الكثيرة لرد اعتبار مهاجم المنتخب الأول؟ ذكروني فقد أكون نسيت، أي قرار حتى لو كان مجرد عتاب لفظي وليس مكتوباً، وقارنوا بينهم وبين من استنهض همم ياسر في العين وجعله يبدع ويمتع ويصنع ويسجل ويقود فريقاً كان مهدداً بالهبوط لصدارة الترتيب في دوري الإمارات، لتدركوا كم نحن وطن يتنكر لمبدعيه ويجافي محبيه، لو انتقدوه لتقهقر وتراجع مستواه الفني لكان ذلك عوناً له في استرجاعه، لكنهم يريدون إنهاءه وابتعاده للأبد وفي هذه نجحوا بامتياز. فها هو ياسر يتألق هناك ليجبر مسيّري العين على التجديد له، ثم هو يعلن إنهاء ارتباطه بكل ما يمت لوطنه بصلة ويقرر اعتزال اللعب الدولي وهو قادر على أن يستمر سنوات وسنوات، وكل المبررات التي أوردها غير مقنعة مهما حاول إسباغ الواقعية عليها. وانظروا إلى بطولة أحدهم التي لم يجد غيرها يفاخر بها ويرفع رأسه بعد أن تكفل ياسر بطأطأته طويلاً وهو يتكفل بدفن أحلامهم ليس في البطولات فقط بل في مجرد الفوز، فهو يشيد بقدرة جماهير فريقه على ما يسميه طرد نجوم الهلال المؤثرين وتفريغه من أدوات قوته، ويشد على حناجرها التي هتفت وأيديها التي عبثت في المدرجات والإعلام صباح مساء حتى تحقق مرادها، وغادر الجميع مكرهين بعد أن بلغ السيل الزبى وصار فراقهم عيداً وراحة نفسية تُشترى بالمال. فهل اتبع الجمهور والإعلام في ذلك أساليب أخلاقية؟ بالتأكيد لا. «ياسر وينه؟» ستبقى وصمة عار في جبين من سنّها، وسيحمل وزرها ووزر من قالها إلى الأبد، ونحن وإن خسرنا ياسر لاعباً فلن نخسره إنساناً حفظ كرامته بالرحيل، وسيبقى في الذاكرة ما بقيت الأجساد والأرواح في اتحاد. فيما غيره تهان كرامتهم ولا يزالون يخرجون ينظرون ويدعون المثالية. يكفي ياسر فخراً أنه كشف الغطاء عن وسط رياضي تسيّره الأهواء وشعارات الأندية في القرارات والعقوبات، وبعد هذه يأتيك من يقول نحن نخطط للمستقبل والوصول إلى كأس العالم وتحقيق البطولات. «قم بس قم». [email protected] Qmonira@