الشعوب العربية تحولت نتيجة للثورات العربية مواطنين كل واحد منهم جورج بوش الابن، وموقفه (هذا المواطن): مَنْ ليس معنا فهو ضدنا. شعرتُ بمثل هذا الانقسام -أو الانفصام عن المنطق- والعصبية وأنا أكتب مقالاً (لنَقُلْ إنه عن سورية) وجدت أن رأيي فيه يلقى معارضة حادة من أنصار النظام ومعارضيه على السواء، لأنني لم أؤيد هؤلاء أو اولئك ضد الطرف الآخر. اليوم أكتفي بملاحظات عامة، وآراء بعضها مني وبعضها مما سمعتُ في الأسابيع الأخيرة في جلسات خاصة ومؤتمرات عامة بين لندن والقاهرة والرياض وبيروت وعواصم الخليج. وهكذا: - الثورات العربية التي نجحت في تغيير النظام في هذا البلد أو ذاك تعثرت، لأن الحكام الجدد يعِدون بأكثر مما يستطيعون تقديمه للمواطنين، ولأن توقعات المواطنين أعلى كثيراً من إمكانات الوطن. - القيادة العربية يجب أن تأتي من مصر، فإذا نهضت مصر نهضت الأمة معها، وإذا تراجعت تراجع الجميع. ومصر اليوم أوضح مَثل على الهوة بين الإمكانات والتوقعات. - بانتظار قيام قيادة مصرية حكيمة ذات كاريزما تتجاوز حدود أرض الكنانة، لا تساعد الدول العربية القادرة إلا في ما ندر، كما فعلت مثلاً بعد 1967 و1973 وفي التسعينات. - كل الانتخابات الحرة التي جرت في البلدان العربية منذ الثورة الأولى في تونس أظهرت تفوُّق شعبية الأحزاب الإسلامية والجماعات. - الإخوان المسلمون يواجهون مشكلة مع الدول العربية القادرة على المساعدة، خصوصاً في الخليج، والسبب الأصلي أن كل الحركات الإرهابية، وبعض هذه استهدَفَ دولاً عربية بإرهابه، خرج من عباءة الإخوان المسلمين. - السبب الآخر لعدم الثقة مردُّه إلى أن دولاً عربية احتضنت الإخوان المسلمين بعد أن حوربوا واضطُهدوا وسُجنوا وأعدِموا في مصر وسورية، وكان ردّ زعماء الإخوان الذين لجأوا الى هذه الدول التآمرَ على الأنظمة المضيفة مع جماعات محلية. - سمعنا جميعاً انتقادات علنية في حق قادة من الإخوان في بعض دول الخليج، وقد سمعتُ أكثر منها في مجالس خاصة، وسمعتُ تحديداً: «الإخوان المسلمون جازَوْنا جزاءَ سِنِمّار». - لي أصدقاء كثيرون بين الإخوان المسلمين في مصر، غير أنني أضع الصداقة جانباً لأقول إن الإخوان المسلمين المصريين ظُلِموا، فشكوى دول الخليج محقة ولها أساس إزاء الإخوان السوريين الذين لجأوا الى دول الخليج، أما إخوان مصر، فالأخطاء أو الخطايا المنسوبة اليهم يتحمل مسؤوليتها أفراد لا القيادة. - أسأل: هل الأحزاب الإسلامية دينية أولاً وقومية ثانياً، أم العكس؟ بمعنى: هل هي تعمل لمصلحة الوطن أم تقدِّم الولاءَ الديني عليه؟ ليس عندي جواب اليوم، ولكن أنتظر موقف «حزب الله» إذا تعرّضت ايران لهجوم اسرائيلي، فهل يقدِّم الحزب ولاءه الديني على مصلحة لبنان، أم يتجنّب مواجهة عسكرية مع اسرائيل تحرق الأخضر واليابس في لبنان؟ - التهديدات الإسرائيلية لإيران خدعة. حكومة بنيامين نتانياهو تعرف ان ايران لا تملك قدرة نووية عسكرية، ولا تعتزم ضربها، وتعرف أيضاً أن إدارة اوباما لن تخوض حرباً أخرى ضد بلد مسلم لأسباب اسرائيلية. السبب الوحيد لإثارة موضوع إيران وكأنّ إسرائيل تواجه محرقة جديدة، هو تحويل الأنظار عن القضية الفلسطينية، فهي لم تُذكر في الاجتماع الأخير بين نتانياهو وباراك اوباما. - لن يفيق العرب من ثوراتهم إلا واسرائيل قد ابتلعت الضفة بالمستوطنات، وطردت أهل القدس، ودخل الحراديم الحرم الشريف. أخيراً، أقول إن هناك بالإنكليزية شيئاً اسمه «قانون ميرفي»، وهو أنه في أي وضع يجري العمل عليه، كل الأخطاء التي يمكن أن تحدث ستحدث. هذا هو وضع الثورات العربية حتى إشعار آخر. [email protected]