الزمان: شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012. فور اعلان شبكات التلفزيون في الولاياتالمتحدة عن انتصار الجمهوريين، تحلق كبار موظفي البيت الأبيض حول الرئيس المغادر باراك أوباما بهدف مراجعة الأخطاء التي منعته من تجديد ولايته. قال أوباما في لهجة استغراب واستهجان، انه اتخذ خلال أول مئة يوم من ولايته، قرارات اقتصادية جريئة انقذت بلاده من عملية تكرار أزمة الثلاثينات. وأشار الى سياسة الانفراج الدولي التي اعتمدها بهدف محاورة الخصوم والدعوة الى نزع السلاح وتثبيت العدالة والديموقراطية. واعترف بأنه بعد عقد مؤتمر سلام شرق أوسطي، شجعته هذه السياسة المنفتحة على زيارة طهران ودمشق وهافانا. وتساءل أوباما أمام كبار موظفي ادارته عن مواقع الخلل الذي أحدثته هذه السياسة بحيث انقلب الرأي العام ضده. وتدخل رئيس طاقم الموظفين رام عمانوئيل ليحدد مظاهر الخلل، ويقول انها بدأت مع تجاهل طرد المفتشين الدوليين من ايران، والسكوت عن تصاريح الرئيس محمود أحمدي نجاد حول نجاح بلاده في انتاج السلاح النووي. ولمح في عرضه الى تصريح مرشد الثورة علي خامنئي، وقوله إن الترسانة الايرانية أصبحت تضم ثلاثة رؤوس نووية موجهة نحو القاهرة والرياض وتل أبيب. وأكمل عمانوئيل مراجعة مسلسل النكسات، فقال: عقب اعلان انتاج سلاح نووي ايراني، سارعت حكومة بغداد الى توقيع معاهدة دفاع مشترك مع جارتها القوية، الأمر الذي انتهى بعقد اتفاق وصاية ورعاية على العراق. وكانت هذه الخطوة بمثابة المدخل الذي شجع الكويت وقطر ودولة الاماراتالمتحدة، على عقد اتفاقات سياسية وأمنية وتجارية. واعترضت السعودية على الخيار الذي اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي، ثم أعلنت في شهر ايار (مايو) 2011 انها اشترت من باكستان سلاحاً نووياً لها ولحليفتها مصر. ولكن التظاهرات الحاشدة التي قام بها «الإخوان المسلمون» بالاشتراك مع القوى المعارضة، فرضت على الرئيس حسني مبارك تعليق معاهدة السلام مع اسرائيل قبل تقديم استقالته. وبسبب حدة المواجهات الدموية بين القوات الاسرائيلية والفلسطينيين، غادر ملك الاردن عمان متوجهاً الى لندن. وكان من الطبيعي في ظل هذه الفوضى العارمة، ان يعلن «حزب الله» حال الاستنفار في بيروت ويدفع بمحازبيه المسلحين الى الشوارع. ولم تسلم منطقة غرب آسيا من انعكاسات هذه الأحداث، فإذا بالصدام الافغاني الباكستاني يتحول الى حرب طاحنة تمتد نيرانها الى الحدود المجاورة. واستغلت الدول الأوروبية هذا الإرتباك العالمي لتمتين علاقاتها التجارية مع الصين وروسيا. وعندما تجاوز سعر برميل النفط المئتي دولار، غرق الاقتصاد الأميركي مرة أخرى في ركود عميق. عندئذ شعر أوباما، الرئيس الأكثر شعبية في تاريخ الولاياتالمتحدة، بأنه وصل الى آخر الطريق. ولم يعد أمامه من حل سوى اعلان انسحابه من سباق الرئاسة. ولما توقف عمانوئيل عن عرض الواقع المؤلم الذي يعاني منه العالم سنة 2012، تساءل الحاضرون عن أسباب الخلل الذي أدى الى انتشار الفوضى العالمية وانهيار الحلم الأميركي الذي وعد باراك أوباما الناخبين بتحقيقه! على هذا السؤال أجابت صحيفة «هآرتس» - مبتدعة هذا السيناريو المرعب - بأن تردد أوباما صيف 2009 في منع ايران من امتلاك السلاح النووي، هو السبب المفترض لحدوث الانهيارات السياسية والأمنية على مختلف جبهات العالم. يقول المراقبون في عواصم العالم ان السيناريو الذي تخيلته وابتدعته صحيفة «هآرتس» (30/4/2009)، كان معداً لتخويف الرئيس أوباما، وتحريضه على امتشاق سيف الانتقام قبل وصول الرئيس شمعون بيريز الى واشنطن. وقد عبرت الحكومة الاسرائيلية عن استعدادها لشن هجوم على المنشآت النووية الايرانية عن طريق المناورة الجوية فوق خليج جبل طارق، أي على مسافة تبعد 3800 كيلومتر. وذكرت الصحف الأميركية ان بيريز أبلغ الرئيس الأميركي أثناء لقائهما في البيت الأبيض، بأن نتانياهو وأعضاء حكومته لن يترددوا في مهاجمة ايران إذا فشلت الأسرة الدولية في وقف حيازتها لقنبلة نووية. وبما ان رئيس وزراء اسرائيل يعتبر القنبلة الإيرانية خطراً يهدد وجود الدولة، فقد شكل طاقماً خاصاً لمتابعة هذا الموضوع الخطير. وضم اليه وزيري الدفاع ايهود باراك والخارجية افيغدور ليبرمان ورئيس اركان الجيش غابي اشكنازي ورئيس جهاز المخابرات الخارجية مائير داغان. الخطب في مؤتمر «إيباك» السنوي كانت متناقضة في طروحاتها. فالرئيس بيريز هاجم ايران بقسوة واعتبرها دولة تعيش خارج التاريخ. ولكنه أشاد بمبادرة السلام العربية لأنها في نظره، تمثل أساساً لدفع عملية التسوية في المنطقة. واستغلت رئيسة المعارضة تسيبي ليفني هذه المناسبة لتعلن تأييدها لموقف الحكومة بالنسبة لمهاجمة ايران. ويبدو ان الرئيس أوباما اختار هذا المنبر لإظهار موقفه الرسمي عبر رئيس طاقم موظفي البيت الابيض، رام عمانوئيل. واستخدم هذا المواطن الاسرائيلي السابق اسلوب هنري كيسنجر ليعلن أمام ستة آلاف يهودي أميركي ان إدارة أوباما أدرى بمصلحة اسرائيل من حكومتها. وحذر من مخاطر تجميد عملية السلام مذكراً ان «الجمود انتج الانتفاضة الأولى والثانية، إضافة الى حربي لبنان وغزة». وقال ان مثل هذه الأحداث يمكن ان تتطور لتمس مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، لذلك فإن الرئيس مصمم على التعاطي مع هذا الموضوع بحزم وصرامة من أجل تثبيت موقفه الداعي الى سلام تكون فيه اسرائيل دولة آمنة... وتكون فيه فلسطين دولة سيدة قادرة على البقاء. وفاجأ بنيامين نتانياهو الحضور بكلمته المسجلة، والتي بدأها بالقول انه جاد في تحقيق السلام بالتعاون مع الرئيس أوباما والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وبعد ان وصف التسلح النووي الايراني، بالخطر الذي يتهدد اسرائيل والعالم العربي، ادعى انه بمقدوره تحقيق السلام في وقت عجز اسلافه عن تنفيذ هذه المهمة. تؤكد معلومات الصحف الاميركية ان أوباما هو الذي طلب تأجيل زيارة نتانياهو الى واشنطن حتى (18 الجاري) شرط أن يحمل معه خطة حكومته بشأن استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط. وكرر عمانوئيل أثناء اجتماعه بالرئيس بيريز، أن أوباما أعلن من أنقرة تأييده حل الدولتين، معتبراً أن تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي تصب في مصلحة أميركا ودول المنطقة، خصوصاً أن السلام المطروح لن يبرم مع الفلسطينيين فقط، بل مع 22 دولة عربية. قبل وصول باراك وعباس ونتانياهو إلى واشنطن، أرسل أوباما إلى المنطقة وزير الدفاع روبرت غيتس بهدف اقناع مصر والسعودية بأن الانفتاح على إيران لن يكون على حساب أصدقاء الولاياتالمتحدة. ومع أن دول مجلس التعاون الخليجي أعلنت رفضها حصول تقارب أميركي - إيراني على حساب مصالحها، إلا أنها في الوقت ذاته، رحبت بكل جهد ديبلوماسي لا يتعارض مع مشاريعها السياسية والأمنية والاقتصادية. الاختبار الأول لنهج نتانياهو سيظهر بعد أسبوع خلال اجتماعه مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض. وحدث خلال لقائهما في القدس في الصيف الماضي، أن تمنى نتانياهو لأوباما النجاح في انتخابات الرئاسة، شرط أن يبدأ بمعالجة المشكلة الإيرانية. ويرى رئيس وزراء إسرائيل أن القنبلة النووية الإيرانية تمثل نقطة انعطاف في تاريخ المنطقة. ذلك أنها تضع مصادر الطاقة الحيوية في الخليج تحت سيطرة حكام الجمهورية الثورية، الأمر الذي يذكّر باحتلال صدام حسين للكويت. ويعتبر نتانياهو أن صراع إسرائيل مع إيران هو صراع وجودي ومصيري، لأن «الحرس الثوري» سيج حدودها مع لبنان وغزة بقواعد صاروخية يشرف عليها «حزب الله» و «حماس». ومعنى هذا أنه سيطالب بضمانات أميركية إذا ما طلب منه أوباما تحريك المفاوضات مع سورية حليفة إيران وشريكتها في مواجهة إسرائيل. رئيس أركان الجيش غابي اشكنازي، زار واشنطن قبل بضعة أسابيع، والتقى أركان القيادة العسكرية الأميركية، في محاولة لتنويرهم عن خطورة تسلح إيران بالقنابل النووية. وقال إن إيران لن تتنازل طوعاً عن انتاج القنبلة، وأن هناك احتمالاً قوياً بفشل المفاوضات. وأكد أن نتانياهو سيتحدث إلى أعضاء الكونغرس على أمل اقناعهم بضرورة دعم هجوم وقائي في حال رفض أحمدي نجاد التراجع عن مشروعه. يقول المطلعون على خطة أوباما الواسعة إنه في صدد بلورتها على مختلف الأصعدة الاقليمية والدولية، فالمصالحة التي تمت بين حميد كارزاي الأفغاني وآصف علي زرداري الباكستاني، مهدت لتخفيف تورط قوات الدولتين في صدام لا يربح منه سوى «طالبان». أما بالنسبة إلى أمن إسرائيل وتخوفها من نجاح إيران في انتاج قنبلة نووية، فإن الحلف الأطلسي سيضعها تحت مظلته الوقائية ويشملها بالمادة الخامسة من الميثاق. أي المادة التي تنص على التزام الدفاع عن أمن إسرائيل. عندما صنف الرئيس السابق جورج بوش إيران بين «دول الشر»، عارضه أوباما بحجة أن الرئيس نيكسون عقد اتفاقاً تاريخياً مع الصين، أكبر دولة شيوعية استبدادية. وفي رأيه أن سياسة الولاياتالمتحدة يجب ألا تخضع لمعايير مناقبية المبشرين، بل إلى معايير الواقعية البراغماتية. لهذا أكد أوباما لمرشد الثورة علي خامنئي اعترافه بالنظام، لا فرق أكان على رأس السلطة الإصلاحي محمد خاتمي أم داعية النظام محمود أحمدي نجاد. رئيس وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي، حذر إسرائيل من عواقب مهاجمة إيران، لأن المنطقة ستتحول إلى كرة من نار، تحرق الأخضر واليابس. عندئذ قد يدعم العالم الإسلامي إيران، ويشجعها على استعجال الحصول على أسلحة نووية. وغاية الإدارة الأميركية في هذه المرحلة، تطمين إسرائيل والدول العربية إلى أن إيران لا تشكل خطراً على جاراتها، في حال أكملت مشروع انتاج القنبلة... أو اكتفت باكتشاف طبيعة التقنية لصنع القنبلة مثل اليابان والبرازيل. ونقل عن المفاوضين الأميركيين قولهم إن طهران ليست مضطرة للاعتراف بالكيان الإسرائيلي. والمطلوب منها مقابل الاعتراف بدورها الاقليمي والتزام واشنطن بمنع إسرائيل من مهاجمتها، التخلي عن دعمها العسكري ل «حزب الله» و «حماس»، إضافة إلى المشاركة في استقرار العراق وأفغانستان. ومن المتوقع أن ترفع أميركا الحظر عن بيعها مفاعلاً جديداً من فرنسا، شرط التعهد للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن برنامجها النووي المحدود سيكون معداً للأغراض السلمية والبحثية فقط. وقبل رفع جميع العقوبات وإعادة طهران إلى منظمة التجارة العالمية، لا بد من قبول حل لإقامة دولتين على أرض فلسطين. عقب انتهاء جولة وزير خارجية إسرائيل ليبرمان، في أربع عواصم أوروبية، اكتشف أنهم يفكرون مثل المبعوث السناتور السابق جورج ميتشل الذي رفض اقتباس «الحل القبرصي». أي حل تبادل السكان بطريقة تفرغ إسرائيل من كل السكان الفلسطينيين، ومثل هذا التوزيع الديموغرافي في رأيه، يلغي تلقائياً قرار العودة والتعويض. وكان من الطبيعي أن يرفض الفلسطينيون هذه الصيغة المهينة لكونها تسمح بطرد السكان الأصليين مرتين: مرة سنة 1948 في عهد بن غوريون، ومرة في سنة 2009 في عهد ليبرمان المولديفي، حارس الحانات والخمارات! * كاتب وصحافي لبناني