«ارتفاع في ضغط الدم، ارتفاع السكر، وجفاف عام في الجسم» هو التشخيص الأولي لحال الصحافي يوسف الشايب لدى وصوله الى المستشفى بعدما أمضى في سجن رام الله ثمانية أيام بينها ستة في زنزانة انفرادية. وكان الشايب أعلن اضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على تمديد اعتقاله خمسة عشر يوماً، بعد توقيفه ليومين بأمر من النيابة العامة، على خلفية شكوى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، والسفير الفلسطيني لدى فرنسا هايل الفاهوم، ونائبه صفوت إبراغيت، على تقرير حول تجاوزات البعثة الديبلوماسية الفلسطينية في فرنسا، نشره الشايب في جريدة «الغد» الأردنية، نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي. وتبع اعتقال الشايب جملة اعتقالات لصحافيين ومدونين من بينهم جمال ابو ريحان المشرف على صفحة «الشعب يريد انهاء الفساد» والذي لا يزال رهن الاعتقال حتى موعد كتابة هذه السطور، والصحافي طارق خميس الذي اعتقل لساعات لدى أحد الأجهزة الامنية في رام الله، إضافة إلى تهديدات ومضايقات كثيرة يتعرض لها الجسم الاعلامي الفلسطيني. وكان الشايب مهدداً بإعادة اعتقاله مرة أخرى بعد أقل من 24 ساعة على الافراج عنه بكفالة عدلية قدرها عشرة آلاف دينار اردني وصفها حقوقيون بأنها باهظة، اذ استأنفت النيابة العامة قرار الافراج عنه بذريعة أن «خروجه يهدد الأمن العام». لكن المحكمة رفضت طلب الاستئناف، وثبتت الافراج بكفالة فطالبه المشتكون بتعويض مالي قدره 6 ملايين دولار، وهو ما وصفته نقابة الصحافيين الفلسطينيين ب «الخيالي». واعتبرت قضية الشايب قضية رأي عام في الاراضي الفلسطينية، حتى باتت تتصدر الأنباء في وسائل الاعلام المحلية والعالمية إذ تناولتها صحف مثل «لوموند» الفرنسية، و «واشنطن بوست» الاميركية، ومجلة «تايم»، اضافة الى بيانات مؤسسات حقوقية محلية ودولية، أبرزها ما صدر عن مؤسسة «هيومان رايتس ووتش» و «مراسلون بلا حدود»، ومؤسسات فلسطينية وعربية كالهيئة المستقلة لحقوق الانسان «ديوان المظالم». ويخشى صحافيون وحقوقيون ونشطاء فلسطينيون تحول اعتقال الصحافيين والمدونين تحت مبررات عدة الى ظاهرة. ويقول عمر نزال رئيس كتلة «التحالف المهني الديموقراطي» في نقابة الصحافيين الفلسطينيين: «اعتقال الصحافيين والمدونين خلال الفترة الماضية كشف عن خلل واضح في الواقع القانوني في الاراضي الفلسطينية، ففيما يؤكد قانون المطبوعات والنشر لعام 1995 وتصريحات الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة د. سلام فياض حرية العمل الصحافي وحرية الرأي والتعبير، فإن واقع وممارسات الاجهزة الأمنية التي استعانت هذه المرة بالنيابة العامة والقضاء كغطاء قانوني، تشير الى نهج بات يضيق ذرعاً بالانتقاد الجدي ومحاولات الكشف عن الفساد». وأضاف نزال: «قانون العقوبات الاردني لعام 1960 الذي شاخ وتجاوزه الزمن لا يزال يشكل سنداً قانونياً لقمع الحريات في الاراضي الفلسطينية، مضافاً اليه هامش الصلاحية التقديرية الممنوحة للقضاة. كل هذه اجتمعت عندما شعر اقطاب الفساد المالي والاداري والسياسي بأن عمل الصحافيين والمدونين بات يكشف عوراتهم». ويعتبر الجسم الاعلامي والحقوقي إن ما جرى حتى الآن هو رسائل تحذير للصحافيين يجدر بهم اهمالها ومواصلة عملهم بمزيد من الاحتراف والمهنية المستندة الى مهمتهم الاساسية في كشف الحقائق وتقديمها للجمهور، مع تأكيد ضرورة الالتزام بمبادئ مهنة الصحافة واخلاقياتها. وقال نزال: «في عصر الانترنت والعالم المفتوح لم يعد مجدياً ولا ممكناً اخفاء الحقيقة او اجتزائها، والصحافي الذي يفعل ذلك ويمارس صحافة البلاط الصفراء ويقتصر عمله على الجمل الانشائية واخبار «قال، صرح، افتتح» سيتجاوزه القراء ويضع نفسه على قارعة الصحافة المهنية الحرة». وفي وقت تضررت صورة السلطة الفلسطينية وسمعتها في هذه الفترة اذ انتقدتها غالبية الهيئات الدولية المعنية بحرية التعبير، خاطب الاتحاد الدولي للصحافيين الرئيس الفلسطيني مطالباً اياه بالإفراج عن الشايب وغيره. وكذلك فعلت منظمة «مراسلون بلا حدود» و «لجنة حماية الصحافيين» في نيويورك، اضافة الى ردود الفعل المحلية من الصحافيين والمؤسسات الحقوقية وحتى الاحزاب السياسية التي شن احدها وهو حزب «فدا» هجوماً غير مسبوق على النائب العام نفسه. ونظم زملاء الشايب اعتصامات على مدار ثمانية أيام هي مدة اعتقاله «على ذمة التحقيق»، للتنديد باحتجازه. وقال المحامي غاندي ربعي: «الشايب لا يزال مشتكى عليه، وليس متهماً بعد، علماً أن الأصل في القانون هو ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته». ونشط شباب ال «فايسبوك» أيضاً إذ أنشأوا صفحة بعنوان «تضامنوا مع الصحافي يوسف الشايب»، وظهرت رسوم كاريكاتورية أحدها مستوحى من كاريكاتور ناجي العلي الشهير «لا لكاتم الصوت».