بعد الجدل الذي أثارته في كانون الثاني (يناير) الماضي بحملتها الأولى الداعية إلى منع القات في بلادها، عادت المدونة الالكترونية اليمنية المقيمة في بيروت، هند الإرياني، وأعلنت 12 نيسان (إبريل) الجاري يوماً آخر لليمن الذي تحلم به: «يمن بلا قات». لا تصنَّف هند شابة حالمة فحسب، فهي حتما أكثر من ذلك. الحلم بالنسبة إليها، وإلى الكثيرين من زملائها من «جيل فايسبوك»، ليس سوى نقطة انطلاق في اتجاه حقيقة أن لا شيء مستحيلاً في ظل ما يمكن تحقيقه عبر مواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني. وهذا الكلام ليس عرضياً، بل يستند إلى سلسلة إنجازات حققتها كتيبة «مغردين» باستخدام سلاح «تويتر» الذي أدى الى تخلي وكالة الأنباء «رويترز» عن مراسلها في اليمن محمد صُدام، بعدما كشفت هند واصدقاؤها عبر ال «هاش تاغ» الشهير #ShameOnReuters (عار على رويترز)، أن الرجل كان يعمل مترجماً خاصاً للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في الوقت ذاته الذي ينقل فيه أحداث البلاد. تقيم هند في بيروت اختيارياً، فهي ابنة ديبلوماسي يمني سابق أنهى مهمته في العاصمة اللبنانية واختار البقاء فيها. تعمل محللة سياسية، لكن حياتها الحقيقية «هناك»... أي على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تحشد المناصرين وتقيم الحملات وتمزج الافتراضي بالواقعي. أما لماذا القات، فذلك لاقتناع هند وكثيرين مثلها، بأنه آفة تهلك وطنها على أكثر من صعيد، فإلى جانب تقارير منظمة الصحة العالمية التي تبيّن أنه مادة مخدرة يمكن ان تؤدي إلى إدمان نفسي خفيف أو متوسط لدى مستخدمه، فلزراعة هذه النبتة تأثير سلبي على الأمن الغذائي في اليمن. وبحسب دراسة نشرها العام الماضي معهد أبحاث سياسة الغذاء العالمي، يستهلك إنتاج القات 40 إلى 50 في المئة من المياه الجوفية في البلاد، من دون أن يقدم شيئاً يذكر لأمن اليمن الغذائي. وعلى مر السنين، وبسبب انتشار الظاهرة وغياب سياسات صارمة لمنعه، توقف انتاج الكثير من المحاصيل الأخرى واستُبدلت جميعاً بالقات الأكثر ربحية بسبب الطلب وانتشار عادة «التخزين». من جهة ثانية، تشير الدراسة ذاتها إلى أن أكثر من نصف مجتمع الذكور البالغين في اليمن، وربع الإناث البالغات، يتعاطون القات، في حين تشير دراسات أخرى إلى أن نسبة التعاطي تفوق 90 في المئة بين الذكور. وبسبب انتشار تعاطي (تخزين) هذه النبتة بين فئات المجتمع اليمني، كان بديهياً ألاّ تكون كل ردود الفعل إزاء الحملة المضادة إيجابية. إلا أن الإرياني تقول إنه بفضل التغيرات السياسية التي عرفتها البلاد أخيراً، فإن الحملة تلاقي المزيد من الدعم الرسمي، وتحديداً من وزارتي الإعلام والتعليم. وتسعى هند، بدورها، إلى تصعيد الحملة في شكل تدريجي منطقي، فهي لا تطالب بمنع القات كلياً في الوقت الراهن، كما أنها تعمل على ألاّ تكون مجرد حملة ليوم واحد تنتهي بانتهائه، لذلك فالحملة تطالب الآن بقرار حكومي يمنع القات في المقرات الرسمية كالوزارات والمطارات وغيرها من المرافق الحكومية. ولعله من اللافت ان تأتي هذه الحملة بعد 40 سنة بالتمام على محاولة سابقة باءت بالفشل، شاءت الأقدار أن يكون لأحد أقرباء هند دور فيها. ففي العام 1972، حاول رئيس الوزراء السابق محسن العيني أن يكافح القات، فكانت النتيجة انه اضطر، خلال ثلاثة أشهر إلى تقديم استقالته للرئيس اليمني آنذاك عبد الرحمن الإرياني. إلا أن الوضع اليوم يختلف، فالحملة الجديدة بقيادة جيل أقوى من حيث وسائل الضغط، تعينه الشبكات الالكترونية ووسائل العصر، جيل ينسب الى نفسه انه استطاع الإطاحة خلال سنة برؤوس أنظمة كانت متحجرة في أمكنتها لعقود. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل ينتصر التدوين على «التخزين»؟ يبدو أن الأمر قد يكون أصعب من «إطاحة النظام».