بدت في الأفق نذر مواجهة مرتقبة بين الحكم الجديد في مصر ومؤسسات المجتمع المدني على خلفية مسودة غير رسمية لمشروع قانون يُنظم عمل تلك المنظمات اعتبرته «مُقيداً». وطلب عشرات من رؤساء منظمات المجتمع المدني لقاء رئيس الوزراء إبراهيم محلب لعرض هواجسها بخصوص المسودة، لكن رئيس الوزراء التقى منفرداً رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الدكتور بهي الدين حسن، مع وعد بعقد لقاء مع وفد موسع في وقت لاحق. غير أن اللقاء بدا أنه لم يُبدد هواجس حسن وزملائه إزاء مشروع القانون الذي اعتبرته 29 منظمة حقوقية وأهلية «مخالفاً للدستور». ورفضت تلك المنظمات المسودة الأولية التي قالت إن بعض بنوده يُقر عقوبات تصل إلى السجن 15 عاماً ويفرض غرامات مالية كبيرة على منتهكيه. ولم تؤكد الحكومة تبنيها تلك المسودة. وقال مسؤولون في وزارة التضامن المعنية بعمل مؤسسات المجتمع المدني إن أي مشروع قانون يكون في طور الاقتراحات التي يمكن الأخذ والرد فيها، ولم يقر مجلس الوزراء أي مشروع قانون بخصوص المنظمات الأهلية حتى يتسنى الدفاع عنه. وأعربت المنظمات الحقوقية في بيان عن «بالغ قلقها» من مشروع القانون. وقالت إنه «يشكل انتهاكاً صارخاً للدستور ولالتزامات مصر الدولية وسيؤدي في حال إقراره إلى تجريم عمل تلك المنظمات وجعلها خاضعة لسيطرة الحكومة والمؤسسات الأمنية ويكمل إغلاق المجال العام في البلاد، ويجعله مقتصراً على مؤيدي النظام القائم». وطالبت الرئيس عبدالفتاح السيسي بألا يعتمده أو أي مشروع قانون آخر يتعارض مع الدستور والتزامات مصر الدولية. وكانت وزارة التضامن أعدت مشروع قانون للمنظمات الأهلية في تموز (يوليو) 2013 لقي استحساناً نسبياً من القائمين على العمل الأهلي، وانتقادات محدودة. وقالت المنظمات: «يبدو أن إعداد هذا المشروع (في العام 2013) لم يكن بغرض إصداره، وإنما فقط لتحسين صورة الحكومة (التي تشكلت عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي) لدى المجتمع الدولي، إذ عرضه وزير التضامن السابق أحمد البرعي على المفوضة السامية لحقوق الإنسان كدليل على نية الحكومة للتحول الديموقراطي وتعزيز دور المجتمع المدني». وقال بهي الدين حسن ل «الحياة» إنه قدم مذكرة لرئيس الوزراء عن ملاحظات منظمات المجتمع المدني على مشروع القانون، لافتاً إلى أن المذكرة تضمنت مطالبة الحكومة «بوقف محاربة المجتمع المدني وإعادة النظر في سياستها تجاه المنظمات غير الحكومية، وأيضاً اتخاذ التدابير جادة وفورية لوقف التدهور المستمر في حالة حقوق الإنسان، وإعطاء مؤشر إيجابي على صدق نياتها لإرساء دولة القانون واحترام الدستور». وأضاف: «كنت أتمنى لو أن اللقاء كان موسعاً وضم زملائي من رؤساء المنظمات الأخرى، لكن أبلغت أن اللقاء تمثيلي وسيليه لقاء موسع خلال 10 أيام، لاستكمال النقاش، وانتظر هذا اللقاء». وأوضح أن محلب وعده بمناقشة القضية مع الوزراء المعنيين. وأضاف: «سألته سؤالاً محدداً: هل نفهم التطورات الأخيرة على أنها سياسة حكومة أم سياسة وزيرة جديدة؟ لكن للأسف لم أتلق رداً». وعما إذا كان لقاء رئيس الوزراء بدد هواجسه بخصوص الشعور بترصد الحكم بمنظمات المجتمع المدني، قال حسن: «يمكن الإجابة عن هذا الأمر بعد اللقاء الموسع المرتقب في غضون أيام... لكن الأكيد أن الجميع وصلته رسالة سلبية بما يكفي في ما يتعلق بالتعامل مع المجتمع المدني، ومع ملف حقوق الإنسان في مصر. الفترة الحالية أسوأ فترة في تاريخ حقوق الإنسان منذ سنوات»، مضيفاً: «لو استمر الوضع على هذا الحال، فإن المطالبات بإحالة ملف مصر إلى القضاء الدولي ستتصاعد جداً. لو استمر ملف الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان وفشل القضاء المصري في التعامل مع القضايا المحالة وغير المحالة له سيؤدي ذلك إلى تصاعد ملف مصر إلى حد الذهاب للقضاء الدولي». وقال بهي الدين حسن ل «الحياة» إنه لا يرى بوادر إيجابية في العلاقة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. وأضاف: «الدولة أعلنت شبه حالة حرب على المجتمع المدني، لكن هل سيكملونها أم لا؟ سنرى، بعد اللقاء المرتقب مع محلب»، لافتاً إلى أن مسودة القانون التي سُربت وتنصلت منها الحكومة «الأسوأ منذ عقود».