قطع حادث تحطم الطائرة الجزائرية رحلة عشرين لبنانياً، معظهم كانوا في طريق العودة إلى بلدهم من أجل قضاء فترة عيد الفطر مع عائلاتهم في البلد الذي تغربت نسبة كبيرة من ابنائه من أجل تحقيق مستقبل أفضل. كان بلال الدهيني متوجهاً مع زوجته الألمانية وأطفاله الثلاثة الى لبنان لحضور عرس جماعي لأربعة من ابناء اشقائه وقضاء عيد الفطر مع العائلة، قبل أن يخطفه الموت هو وجميع افراد اسرته في حادث الطائرة الجزائرية المروع أمس الخميس. وفي بلدة الخرايب في جنوبلبنان، لا تتوقف ابتسام، شقيقة بلال، عن البكاء وهي تنظر الى البوم يضم صوره مع افراد عائلته واهله واصدقائه. وتقول: "كنا على موعد معه امس، لكنه لم يصل. كان من المقرر ان يحضر حفل زفاف جماعي لاربعة من ابناء اشقائه وشقيقته، لكنه لم يأت والزفاف لن يقام". منذ 19 عاماً، اختار بلال (43 عاما) الهجرة الى بوركينا فاسو حيث يعمل في تجارة الالبسة. وتزوج بيرن كورينا الالمانية التي رزق منها بثلاثة ابناء قضوا معه في الحادث، وهم ريان (11 عاماً) واوليفيا (8 سنوات) ومالك (4 سنوات). وتضيف ابتسام بلوعة "كنا نطلب منه ارسال صور للاولاد، لكنه كان يقول: سترونهم بأنفسكم عندما نأتي الى لبنان". وتتابع شقيقته التي ارتدت ملابس الحداد السوداء "كان متشوقا لقضاء ايام عيد الفطر معنا، لكن مشيئة الله كانت اكبر. هي خسارة كبيرة نحاول ان نتماسك كي نصدق ما جرى". وبدوره يقول شقيق بلال الاكبر، علي "هذا قدره. كان ينوي ان يستكمل بناء منزله وان يضع حدا لاغترابه وان يعيش هنا في هدوء، لكن المصيبة كانت اسرع". ويضيف: "نزل الخبر علينا كالصاعقة، كنا نستعد للتوجه الى مطار بيروت الدولي لاستقباله امس عندما وصلنا اتصال هاتفي من احد الاقارب لابلاغنا بالخبر". واشار الى ان وزارة الخارجية اللبنانية اتصلت بالعائلة لأخذ عينات لإجراء فحوصات الحمض الريبي (دي ان ايه). ويتوافد المعزون الى منزل شقيق بلال. ورفعت الجمعة الإعلام السود حداداً في شوارع البلدة. وفي بلدة الزرارية المجاورة، تعجز عائلة الشاب محمد اخضر (23 عاماً) عن الكلام. تتمتم الوالدة بأسى في منزلها المليء بالمعزين "خسارة محمد مؤلمة. كان يستعد للزواج". ولا يتوقف شقيقه وجيه (19 عاماً) عن البكاء وهو يحمل صورة محمد في احتفال تخرجه، حيث بدا حاملاً شهادته الجامعية. فيما يتجمع الرجال حوال الوالد فيصل اخضر لمواساته. ويقول فيصل: "هاجر ليبني مستقبله، ها هو مستقبله يهوي من الطائرة مع عشرات غيره. الخسارة كبيرة لا تعوض. كنت انتظر الساعة التي يأتيني فيها لاضمه الى صدري". ويضيف أن محمد "كان متفوقاً في مدرسته. احببنا أن يكون بيننا في عيد الفطر. لم نكن نتوقع أن يأتينا العيد ونحن نبكي عليه". وعلى بعد أقل من خمسة كيلومترات، تبكي بلدة صريفا عائلة اخرى قضت في حادث الطائرة. على هاتفها النقال، تبحث امينة ضاهر عن صورة ابنة شقيقها شيماء (خمس سنوات) التي قضت مع والدتها وشقيقيها في الحادث. في الصورة، تظهر الفتاة بشعر اسود مجدول وعينين ضاحكتين، وتنفجر العمة بالبكاء. تقول امينة "اتصل بنا أخي فايز ضاهر من بوركينا وابلغنا بفقدان الطائرة. ثم رأينا الخبر على التلفزيون". ثم تدل على صورة إبن شقيقها علي (17 عاما)، وتقول مفجوعة "علوشي، حبيب قلبي". امينة المحاطة بشقيقتها ونساء يحاولن تهدئتها تبكي بحرقة "لم نرهم منذ اربع سنوات. الله يصبر قلبك يا اخي. لم يبق له احد". ثم ترد على مكالمة هاتفية وتصرخ رداً على سؤال لمحدثها "راحوا كلهم، رندا (زوجة شقيقها) والاولاد، كلهم ماتوا". وبين الضحايا عائلة اخرى قضت بكاملها من قرية حاريص في جنوبلبنان: منجي ونجوى حسن واولادهما، محمد رضا وحسين وحسن ورقية. في منزل شقيق منجي ايضا توافد صحافيون ومعزون وسط بكاء الاهل والاصدقاء. ويقول رضوان خليل، احد أقارب الضحية: "كانوا يعملون في التجارة. مثل كل اللبنانيين، هربوا من الكوارث في هذا البلد، لكن كارثة اخرى كانت في انتظارهم". وبلغ عدد اللبنانيين الذين قضوا في حادث الطائرة عشرين، وفق السلطات اللبنانية، بينهم من يحمل جنسية أخرى غير اللبنانية.