ألقى اللبنانيون نظرة أخيرة على نعش من خشب يحتضن جسد الراحل وديع الصافي، في كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت أمس. ودّعوه بدمعتين ووردة، وكثير من التحسر على هذه الخسارة الوطنية. اجتمعوا حول النعش وبكوا، منهم من يعرفه شخصياً، فيما كثر لا يعرفون إلا صوته وأعماله. اجتمع فنانو لبنان لوداع كبيرهم، منهم من تجنّد لاستقبال الضيوف، ومنهم من ساعد في شؤون لوجستية. هم الذين غرفوا من مدرسة الصافي ألحاناً شجية. شخص من الحضور تقدم صوب التابوت، احتضنه وبكى بألم. يبدو الشخص غريباً عن الجمهور. ملابسه لا تدل على أنه من ميسوري الحال، الا أن الدمع لا يفرِّق بين فقير وغني. وتعكس تلك الصورة حالة كثيرين كمحب الصافي المخلص، اذ تجمع على مدخل الكنيسة جمهور شعبي لا يرتدي بزة أو ربطة عنق. دندنوا أغانيه وتذكروا كم أرست في نفوسهم طمأنينة وسعادة. خارج الكنيسة ثمة مهرجان. مصوّرون يستعدون لتوثيق لحظة أخيرة، ومذيعون يحضّرون كلماتهم بعناية تليق بالمناسبة. وشخصيات سياسية وثقافية وإجتماعية وفنية وممثلون للرؤساء الثلاثة، ورئيس الحكومة المكلف. بدأت مراسم التشييع الثالثة من بعد الظهر، وألقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي كلمة قال فيها إن الصافي على قدر محبته للفن، كان مؤمناً بالله. وأشاد بشخصية الراحل المتواضع في حياته وفنّه، وما قدمه للفن والوطن والعائلة والحياة والايمان، واصفا اياه ب «قدّيس الفن» . وكشف الراعي أنه كان سيزور الصافي في منزله للاطمئنان إلى صحته، الا ان الموت خطف الفنان القدير قبل حصول الزيارة. وأبرز الدور الذي قدمه الصافي في الألحان الروحية، منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين. وقلد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، ممثَّلاً بوزير الثقافة غابي ليون الراحل وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى المذهّب ليضاف الى وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر. وبعدها تلا شقيق الراحل العميد المتقاعد إيليا فرنسيس كلمة باسم العائلة، معدداً مزاياه، شاكراً للجميع مواساتهم في مصابهم الأليم. وبعد انتهاء مراسم الجنازة، حمل النعش على الأكفّ وسط التصفيق والزغاريد، فيما رتّل نجله انطوان في الكنيسة. وانطلق النعش على أنغام «طلوا حبابنا طلوا» في مسيرة الى بلدة الراحل نيحا في الشوف، حيث ووري هناك وسط استقبال جماهيري. وكان موكب جثمان الراحل انطلق عند التاسعة من صباح أمس من مستشفى «بيل فو» في المنصورية قرب بيروت في اتجاه كنيسة مار روكز في الحازمية، ومنها إلى كاتدرائية مار جرجس للموارنة في وسط بيروت، حيث أقيمت مراسم الجنازة عند الثالثة من بعد الظهر. ولدى عبور الموكب في منطقة المكلس في اتجاه كنيسة مار روكز في الحازمية، تجمهر عدد كبير من المواطنين على الطريق العام حيث أطلقت المفرقعات النارية ونثرت النسوة الأرز والورد والزغاريد. وأقيمت في الكنيسة مراسم وداعية وصلاة لراحة نفس الصافي. واستقبل الجثمان تلامذة مدرسة مار روكز وسط التراتيل والصلوات ونثر الورود والأرز، رافعين صور الراحل على وقع تراتيل بصوته. وتجدر الإشارة الى أن الراحل كان يرتل كثيراً في هذا الصرح الديني. وعلق رئيس مدرسة الحكمة مار يوسف في بيروت الخوري عصام إبراهيم الدروس لمدة ساعة في الصفوف التكميلية والنهائية، حداداً على الفنان الكبير. فرفعت الصلوات لراحة نفسه ونُكس العلم اللبناني. ومن ثم خرج الطلاب ومعهم الخوري إبراهيم والآباء والأساتذة إلى جادة شارل مالك تجاه مدرسة الحكمة، لاستقبال جثمان الفقيد، حاملين الشموع والأعلام اللبنانية وأعلام الحكمة ولافتات تحيي عظمة الراحل الكبير ووداعته. وحمل نعش الفقيد أمام مدرسة الحكمة على الأكف بين الأساتذة والطلاب. ومن ثم انتقل الموكب الى كاتدرائية مار جرجس حيث تقبلت العائلة التعازي في صالون الكاتدرائية، قبل مراسم الجناز والدفن. وتوقف الموكب قبل وصوله في عدد من المحطات، لتزاحم وفود شعبية أصرت على وداع الصافي، كل على طريقتها. ومن أبرز المعزين: وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناظم الخوري والسفير السوري علي عبد الكريم علي ممثلا الرئيس السوري، الذي قال: «حملت تعزية الرئيس الأسد، فانطلاقة وديع الصافي الفنية كانت في إذاعة دمشق، كما كانت في إذاعة لبنان. والتراث الذي حمله وديع الصافي ليس فقط للبنان وانما لسورية ولكل الدول العربية. وقد أعطى الإنسان قيمته وقيمة الأجيال». كما حضر: وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال غازي العريضي، سفيرة الاتحاد الأوروبي أنجيلينا إيخهورست، السفير الفلسطيني أشرف دبور على رأس وفد ضم أمين سر حركة «فتح» في لبنان فتحي ابو العردات، وسلم دبور عائلة الراحل رسالة تعزية من الرئيس محمود عباس، النواب: علي بزي، علي عمار، عباس هاشم، نبيل نقولا، غازي زعيتر، غسان مخيبر، نعمة الله ابي نصر، جوزف المعلوف، قاسم هاشم، ومروان حماده، رئيس اركان الجيش اللواء وليد سلمان على رأس وفد من الضباط معزياً باسم قيادة الجيش، الوزراء السابقون: مخايل ضاهر، جوزف الهاشم، يوسف سلامة ووديع الخازن، نقيب المحررين الياس عون.