اشتغل الرأي العام في الأيام الماضية بما حصل في جامعة الملك خالد في المنطقة الجنوبية، وما حققته إمارة عسير من احتواء للأزمة، لكن الرأي العام لم ينشغل بما هو أهم من حادثة العين إلى الأسباب الدافعة لما حصل وما نخشى أن يحصل في جامعات أخرى إذا وجدت الظروف المناسبة، لأن المطالب الجامعية لا تقف عند الحضارة الإسمنتية فحسب، فالمسألة أكبر من تجهيزات وآلالات وأبنية وفق معايير معينة، بل هي أزمة إنسان من الطراز الأول إن صح التعبير أن هناك (أزمة إنسان). والناس تتحمل الكثير من القصور وتسعى لإصلاحه إذا لاقت النفوس إكراماً واحتراماً، لكن أن تلغي كرامة الإنسان بمجرد وصفك مديراً أو عميداً أو رئيس قسم. هذا ما لا يرضاه من لديه ذرة إنسانية، فضلاً عن أن يكون لديه كرامة. ليست مشكلة مدراء الجامعات ولا أعضاء الهيئة التعليمية والإدارية ولا الطلاب من ممارسات البعض، ولكن المشكلة في لوائح التعليم العالي التي تحتاج إلى إعادة صياغة حتى لا تتداخل المهام، ولا يعطل تنفيذها، ولوائح التعليم تقضي بأن قرارات الجامعة ليست كلأً مستباحاً ل«سين» من الناس، مهما كان منصبه، ولا مصائر الناس بين يديه، بل القرارات تنبثق من مجالس الأقسام لتقرها مجلس الكليات، ومن ثم مجلس الجامعة، فيعتمدها المدير أو العميد لا العكس الذي يراه من هو في رحم وزارة التعليم العالي. بل المشكلة العظيمة أن كثيراً ممن يترأس في الجامعات يشيخ ولم ولن يسمح بأن يتغير منصبه، لأنه يراه حقاً له، وامتيازاً لا واجباً عليه يعلوه التكليف أكثر من التشريف، وما الذي سيقدمه بعد مرور أربع دورات وما زال يقبع خلف كرسي لم يستطع أن يقدم من خلاله بعض ما أخذه. مشكلة الجامعات عدم الاحتكام إلى لائحة موحدة تطبق على الكبير قبل الصغير، ويعرف من يقرؤها مصيره قبل أن يرفع خطابه، لا تختلف أهواء الناس في تفصيلها، لأن هناك لوائح تفصيلية لهذه اللائحة لا تحتاج إلى اجتهادات شخصية تتبع للأهواء والأذواق، يدقق في تطبيقها حتى تعم العدالة فيها يعرف الطالب ما له وما عليه، وكذا أعضاء الهيئة التعليمية والإدارية، ويكون التعيين للمناصب ترشيحاً، ولا يحق أن يجدد للمسؤول غير دورتين ليعطي فرصة لغيره وفرصة لتطوير نفسه. ثم إن مادة في نظام التعليم العالي تنص على أن على مدير الجامعة أن يقدم تقريراً عن شؤون الجامعة ونواحي نشاطها في كل سنة دراسية في موعد لا يتجاوز الشهر الرابع من السنة الدراسية التالية، طبقاً للعناصر التي يضعها مجلس التعليم العالي، فمن المسؤول عن مطابقة نص التقرير على أرض الواقع، والمحاسبة على ما فيه، هل هي لجان مستقلة، أم أنها مسائل لا تعدو أن تكون صورية تستنزف الأوقات والأوراق. ما حدث في جامعة الملك خالد ليس المرض وإنما العرض الذي يحتاج إلى دراسة أسباب ظهوره حتى لا يتكرر أو ينتشر. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]