وزير الدفاع يبحث مع نظيره الأمريكي في واشنطن تعزيز العلاقات والشراكة الإستراتيجية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    الاتحاد السعودي للسهام يتوّج الفائزين في منافسات «السهم الأسود»    إستراتيجيات فعالة للتعامل مع الزوج العصبي !    مليار ريال لمستفيدي «سكني»    شهر الأسواق والمسلسلات    الفساد يفتك بالعالم    نيابة عن خادم الحرمين.. أمير الرياض مفتتحًا منتدى الرياض الإنساني": مركز الملك سلمان قدم مساعدات لملايين من الفئات المحتاجة    ترامب: واشنطن تجري مباحثات جدية مع بوتين.. الحرب الروسية – الأوكرانية تقترب من النهاية    السودان: الجيش يسيطر على جسر سوبا    الشرع يتلقى دعوة للقمة العربية.. والاتحاد الأوروبي يعلق عقوباته على دمشق    الجغرافيا تتلاحم بالتاريخ    في الجولة ال 22 من دوري روشن.. قمة تجمع الأهلي والقادسية.. والهلال لمداواة الجراح أمام الخلود    العروبة يتغلب على ضمك.. والفتح يواصل صحوته    وزير الداخلية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة يبحثان الموضوعات المشتركة    صدام ناري بين أتلتيكو وبرشلونة    1373 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    جريمة تهز باريس.. أمريكية تلقي بمولودها من نافذة فندق    نوه بالدعم غير المحدود من القيادة لخدمة كتاب الله .. وزير الشؤون الإسلامية: 7 ملايين ريال للفائزين بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    يوم التأسيس "مكان التاريخ"    «وِرث» يجسّد الفنون التقليدية في سباقات الخيل    بريد الهوى    هيئة التراث توثق «المنشآت الحجرية»    تعزيزاً للأمن الغذائي وسلاسل الإمداد.. 80% حصة «سالك» في «أولام الزراعية»    اختلاف طباع الناس    الصحة تؤكد على التطعيم ضد الحمى الشوكية قبل العمرة    غزارة الدورة الشهرية (1)    الصحة: فيروس ووهان ليس جديداً ولا يشكل خطراً حالياً    وزارة الصحة تؤكد أهمية التطعيم ضد الحمى الشوكية قبل أداء العمرة    خطة جوزيف بيلزمان لغزة تستثير الموقف العربي من جديد    حجاب وعد.. قرار نهائي أم مرحلة جديدة من الجدل؟    الجلاجل يبحث في إندونيسيا التعاون في السياحة العلاجية وتعزيز خدمات الحجاج    الارتقاء بصناعة الخير    القيادة تهنئ رئيس إستونيا    محافظ الزلفي: يوم التأسيس تاريخ عريق    مرات تحتفل بيوم التأسيس    بلدية وادي الدواسر تحتفي ب «يوم التأسيس»    "الأحوال المتنقلة".. اختصار الوقت وتقليل الجهد    مخاطر العرض.. تدعم أسعار النفط    الأسمنت الأخضر أحدث تحولات الطاقة النظيفة بالمملكة    فيصل بن بندر يشهد احتفال منتسبي إمارة الرياض بيوم التأسيس    أمير القصيم يستقبل سفير تايلند    جامعة الملك سعود توقع مذكرة تعاون مع مركز زراعة الأعضاء    رئيس هيئة حقوق الإنسان: السعودية حريصة على نصرة القضايا العادلة    ما هذا يا جيسوس ؟    الرواية وجائزة القلم الذهبي    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تحتفل بيوم التأسيس    مسؤولية بريطانيا التاريخية أمام الدولة الفلسطينية !    "مفوّض الإفتاء بمنطقة حائل" يلقي محاضرة بعنوان "نعمة تأسيس الدولة السعودية"    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير إدارة جوازات المحافظة    جمعية الملك فهد الخيرية النسائية في جازان تحتفي بيوم التأسيس لهذا العام 2025م    النيابة العامة تحتفي بمناسبة يوم التأسيس    الزواج ليس ضرورة.. لبنى عبدالعزيز: الأمومة مرعبة والإنجاب لا يناسب طموحاتي المهنية    محللون ل«عكاظ»: السعودية تقود الممارسات الإنسانية عالياً    أمانة تبوك توفر 260 بسطة رمضانية في 13 موقعاً    "الشؤون الإسلامية" تنهي فرش 12 جامعا بمنطقة القصيم    الرياض: ضبط 4 وافدين لممارستهم أفعالاً تنافي الآداب العامة في أحد مراكز «المساج»    وقفات مع تأسيس السعودية وتطورها ومكانتها المتميزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالِم المصري علي مصطفى مشرّفة جمع التضلّع في العلوم والقدرة على تبسيطها
نشر في الحياة يوم 14 - 07 - 2009

تحتاج شعوبنا العربية والاسلامية إلى وصل ما انقطع مع ماضيها، ولا سيَما الجانب العلمي منه. وثمة ماض قريب ناصع الصفحات يُحدثنا عن باحثين ومفكرين عرب ينتمون إلى جيل العمالقة العالميين في علوم الرياضيات والفيزياء في القرن العشرين، الذي ضمّ كوكبة لامعة من العقول المبهرة مثل ألبرت انشتاين وبرتراند رسل ونيلز بوهر وروبرت أوبنهايمر وإيرفنغ شرودنغر وماكس بلانك وغيرهم.
والحق أن العالم المصري علي مصطفى مشرّفة ( 1898- 1950) ينتمي إلى هذا الجيل. اذ يعتبر أحد رواد النهضة العربية الحديثة. وقد نشرت له أهم المجلات العلمية البريطانية الرصينة بحوثه المبتكرة، خصوصاً عن المادة والاشعاع. وتكرست نظرية باسمه عن «الاشعاع والسرعة». وضع عالِمُنا نصب عينيه «تأصيل التقاليد الوطنية في البحث العلمي» وإذاعتها ونشرها في أسلوب مبسّط يلامس الإنسان العادي في حياته اليومية. وخدمة لهذه الغاية النبيلة، أعادت «دار البيروني» اللبنانية في عام 2009، نشر محاضرات مشرّفة وآرائه وأحاديثه وأفكاره، وتحديداًً كتابيه «نحن والعلم والحياة»، الذي ألّفه عام 1946 و «مطالعات علمية» الذي وضعه عام 1943.
في هذين الكتابين، يتصدى مشرّفة للسؤال البديهي عن ماهية العلم. ويجيب بأنه التفكير البشري المنظّم الذي لا يحدّه شيء، وأنه يسعى الى تقرير وقائع وحقائق تقع تحت سمعنا وبصرنا وسائر حواسنا، وأن ثمراته تنعكس تقدماً في المجتمع البشري وطرق عيشه وأساليب حياته وتفكيره وخيالاته. لذا، يرى مشرّفة ضرورة اهتمام بلده مصر بالبحث العلمي اذا ارادت لها مكاناً بين الامم المتحضرة، لا انصرافاً إلى الصناعات وفوائدها العملية فحسب، بل بحثاً في الرياضيات وفلسفة العلوم الطبيعية. وفي نظره، يغدو من الواجب العناية بالأساس الذي يبنى عليه التقدم الفني والصناعي، ويرى في ذلك سبيل القاهرة إلى «النور والرفاهية والمجد».
معضلة الثقافة العلمية
يرسم مشرّفة معالم الطريق إلى الثقافة العلمية، الذي يعني تدوين العلوم باللغة العربية (تأليفاً وترجمة ونقلاً وضبطاً للمصطلحات)، أسوة بما جرى أيام المأمون في «بيت الحكمة» البغدادي. وفي تلك الاستعادة، تشديد على أهمية ترجمة التراث العلمي والفلسفي من الشعوب كافة. فمن المعلوم أن «بيت الحكمة» شهد ترجمة لفلسفة اليونان وعلومها، إضافة الى إرث الهند وفارس في الحكمة والفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضيات وغيرها.
وفي منحى متصل، يشدّد مشرّفة على وجوب ان يكون الحاضر العلمي المنشود متواصلاً مع النواحي الإيجابية علمياً من الماضي العربي الغابر. اذاً، يجب ان يكون التأليف العلمي وإحياء كتب العرب وتمجيد علمائهم، في رأس جدول أعمال أمة «إقرأ». ولهذا المرام، يعتقد بضرورة إنشاء الجمعيات العلمية، وبأن تطلق الدعوات لبذل الجهود في ذلك الاتجاه عبر الصحافة. و لا يريد ابن النيل العلم قابعاً في أبراجه العاجية، بل مسخراً في «خدمة المجتمع»، بمعنى أن تتولاه الدولة نفسها بالرعاية. وينظر مشرّفة باهتمام إلى مصادر توليد الطاقة. وفي رؤية متقدمة بالنسبة الى زمن أربعينات القرن الماضي، يدعو الى لاستفادة من حرارة الشمس ومساقط المياه وإلى الانتفاع من الثروة المعدنية والإحفورية، وضمنها النفط.
ولهذا الغرض، يحضّ عالِمُنا على انشاء وزارة ل «الاقتصاد العلمي» (وهو أمر ما زالت الدول العربية غافلة عنه لحدّ الآن)، وإلى العناية بالبحوث في الجامعات وانشاء مجمع علمي ومجلات علمية متخصصة وغيرها.
ويرى مشرّفة إلى العلم باعتباره وسيلة لقاء كوني، بل يجهر باعتقاده بأن العلماء يشكّلون «أسرة واحدة» تسعى الى خير البشرية. ويعتقد بأنه يجدر بتلك الأسرة أن تعيد النظر في صلاتها التقليدية والتاريخية مع المجتمع، التي قامت على الانعزال والبعد عن مشكلاته. ويشير إلى أن أولى النقاط التي يجب مراجعتها هي «المسؤولية الاخلاقية»، أي النظر إلى عواقب استخدام الاختراعات، ولا سيَما ما له علاقة بالدمار والتخريب، وكذلك تجديد صلة العلم مع الدعوة إلى الخير والحق والدفاع عنهما. ويُدرج في سبل التقريب بين العلماء، الاحتفاء بتاريخ العلوم في المناهج الدراسية كونها إرثاً إنسانياً مشتركاً.
وعلى رغم ما يحوط لفظة «السياسة» من دلالة مشينة بالنسبة الى كثير من العاملين في مجال العلوم، يدعو مشرّفة، واستئناساً بآراء افلاطون وأرسطو في انواع الحكومات، إلى اتحاد العلم والسياسة في سبيل النفع العام. ويُذكّر بأن هذا حصل في أوروبا في مواجهة مشاكل المجاعة وآثار الحروب. ويعرض وجهة نظره ايضاً في تدهور الصناعة في بلده عما كانت عليه أيام محمد علي باشا، فينادي بربطها بالعلم لتجديد شبابها واستنهاضها ودفعها الى الأمام، إعتقاداً منه بأنه: «اذا اجتمع العلم والصناعة، عادا على الأمة بالخير والرفاهية»، كما يرد في مؤلفاته.
وفي نظرة اخلاقية صارمة، يحمل مشرّفة أصحاب المال، خصوصاً الملاك العقاريين، جزءاً من المسؤولية في تدهور الاحوال المصرية، لأنهم أصحاب السلطان والحاكمون على الأرض وبشرها. ويدعوهم إلى الاخذ بالطُرُق العلمية لتحسين الانتاج والنهوض بالاقتصاد والمال. ويكتب مشرّفة: «اذا اقترن (صاحب الأملاك العقارية والمال) بالعلم، سما به الأخير إلى سماء الواجب، وأحاطه بقدسية الضمير، وتحولت حريته في استخدامه من حرية الجاهل إلى حرية العالم».
ومن اللافت أن دعاوى مماثلة تردّدت كثيراً على لسان النظام الجمهوري الذي ظهر في مصر بعد 23 تموز (يوليو) 1952، عقب انقلاب أطاح آخر ملوك أسرة محمد علي باشا في مصر.
ولا يحصر دعوته الى الأخذ بالعقلية العلمية في مصر، بل يوجهها إلى الأمة العربية ذات الماضي المجيد، «حين وُلدت حضارتها عقولاً تذهب إلى الحقائق وتعنى بالجوهر وليس بالعرض وتطلب اللب لا القشور... والعلم سلاح يُحارب به الفقر والمرض والجهل، ولنا في اجدادنا الاقدمين اسوة حسنة»، وفقاً لتعبير مشرّفة. ومن خلال ترويجه العلم، يدحض عالِمُنا مقولتين: الاولى مسؤولية الدين عن انحطاط العلوم في العصور الوسطى، مُدلّلاً على ذلك بإزدهار العلوم في بلدان الشرق حيث سيطر الفضاء الديني بالقدر نفسه، ومُلاحظاً ان الدين يحثّ على «حب الحق». وتتمثّل المقولة الثانية التي يتصدى لها، بالقول أن منشأ العلم أوروبي، مُشدّداً على أن العلوم مشاع بين الأمم، وأن لا وطن له.
وإذ يفكّر مشرّفة في تضارب الناس في تصورهم للحياة إلى حدّ التنافر، يرى أن ذلك يؤدي إلى: «القطيعة، وإلى الكيد والتقاتل والحروب»، بحسب كلماته.
ويستخلص من ذلك مقولة التشديد على الدور الكبير الذي يؤديه العلم في صنع تصورات الناس وتفكيرهم، وكذلك في تخفيف التضارب في الآراء بينهم، من خلال تقديم تصورات تستند إلى الواقع والمنطق السليم. ويقول: «اذا جرى الامر على هذا النحو، حل التعاون مكان التنابذ والتطاحن... وفضل العلم انه يزودنا ببيَنات عن الكون وحقائق الحياة نفسها وعن قيَمها وما تزخر به من روحانية تتوق للخير والحق والجمال».
وعلى رغم ستة عقود تفصلنا عن هذا العالِم المصري، إلا أن كتاباته تبدو طرية وآنية، فكأنها كتبت تواً كي تخاطب العقل والوجدان معاً وتحض على الاستفادة من ثمرات العلوم ووضعها في خدمة المجتمع والارتقاء به إلى حياة أفضل.
* أستاذ الإبستمولوجيا في الجامعة اللبنانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.