تسمع وأنت تهم بالنزول من سيارتك في موقف ركاب المسافرين في كيلو 10 جنوبجدة، أصواتاً تصرخ بأسماء مدن المملكة «الرياض، مكةالمكرمة، المدينةالمنورة، الباحة، الطائف» وغيرها من المدن، إذ يعتمد سائقو السيارات المعروفون شعبياً باسم «الكدادة» على هذه الطريقة لجلب زبائنهم. ولكل سائق أو «كداد» منهم قصة تختلف عن الآخر، تجمعهم الظروف، وتفرقهم الأهداف، فتجد من بينهم المعلم، ورجل الأمن، والطالب الجامعي، والموظف المتقاعد. يقطعون مئات الكيلو مترات لفترات تتراوح من يوم إلى أيام، ولا يقيمون في مكان محدد أكثر من ذلك المكان الذي ينامون فيه. وبسبب تدني رواتبهم، وعدم استيفائها لالتزامتهم، فهم يجدون في هذه المهنة وسيلة تعين على بعض حوائج الحياة المتعددة، ويطالبون بالسماح لهم بمزاولة عملهم بطريقة نظامية تكفيهم المخالفات التي تقتص نصف ما يحصدونه في يوم عمل طويل وشاق. ويوضح سعود القرني، وهو سائق أجرة ويشغل وظيفة في قطاع عسكري، أن قلة الراتب الشهري ما دفعته للعمل في «الكدادة»، مضيفاً «مرتبي لا يكفي، لذلك أقضي الكثير من الساعات هنا لجلب المال لكي أوفر مقدار ما علي من التزامات». ويطالب القرني الجهات المعنية بالسماح له وزملائه بالعمل في هذا المجال، معتبراً أن عمل رجل الأمن سائق أجرة خاصاً في أوقات فراغه يزيد من استتاب الأمن، مضيفاً «لو فتح لنا المجال بشكل رسمي، وأصبحنا نستطيع مزاولة العمل بنظام لأصبحنا بمثابة دوريات أمن متجولة». ويتفق أبو عبدالعزيز الذي فضل عدم ذكر اسمه في حديثه إلى «الحياة» مع ما ذهب إليه زميله القرني، علما بأنه رجل أمن، مبيناً أن السبب الرئيس في إقدامه على العمل في «الكدادة» تحقيق دخل لا يقل عن أجر عمله الأساسي لمساعدته في إتمام واجباته الأسرية. ويعتبر أبو عبدالعزيز أن عمل رجال الأمن سائقي أجرة في أوقات فراغهم أمر لا يؤدي إلى حدوث ضرر بل يحقق منفعة، بيد أنه يتمنى صدور نظام يوفر عليهم مخاوف العمل بطريقة سرية عن جهة عمله. ولا يخفي المواطن محمد المرحبي تذمره من التواجد الكبير لموظفي الدولة في موقف جدة، إذ يراهم يسلبون الزبائن منه رغم توافر دخل ثابت لهم. ويقول المرحبي «يجب أن يكون هناك عمل منظم لا يسمح لأي موظف التواجد في هذا الموقف، فهم يتقاضون مرتباً شهرياً». بينما يشكو الكداد أبو هاشم من تضييق الخناق عليهم من قبل أجهزة المرور رغم التزامه الشديد بأنظمة القيادة، فكاميرا «ساهر» لم تستطع أن تلتقط له صورة واحدة، لكن ابنه العاطل عن العمل، والذي يساعده في القيادة، تسبب في نيل سيارتهم مخالفة التقطت بفلاشات كاميرا «ساهر»، وبمرور الأيام تضاعفت المخالفات حتى بلغت 8500 ريال، ويعلن صراحة أنه عاجر عن سدادها ولو بعد أعوام. ويؤكد أبو هاشم التزامه بالنظام المروري «ولا أسرع أبداً، ولذلك ليس علي أي مخالفة مرورية، ولكن ابني غرم مبلغاً كبيراً أعجز عن سداده، وأصبحت مؤمناً بعد هذا الكم من المخالفات أن «ساهر» يتصيدنا، وإن لم يستطع رصدك المرور السري».