في سابقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، مثل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام مجلس الشورى (البرلمان) أمس، وأجاب عن 10 أسئلة طرحها 79 نائباً، مدافعاً عن تدابير اتخذتها حكومته، رأى فيها نواب انتهاكات ومخالفات. وتمحورت الأسئلة حول مسائل تنموية وقانونية وسياسية واقتصادية، وردت في عريضة المساءلة التي تلاها النائب المحافظ البارز علي مطهري، بينها امتناع الحكومة عن تنفيذ قوانين أقرّها البرلمان، وأسباب اعتكافه 11 يوماً، احتجاجاً علي قرار مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي إعادة وزير الاستخبارات حيدر مصلحي إلى منصبه، بعدما أقاله نجاد، وآلية إقالة وزير الخارجية السابق منوشهر متقي، خلال زيارة رسمية خارج البلاد. لكن أجوبة نجاد ووجهت بانتقادات حادة من نواب اعتبروها «إهانة لأعضاء المجلس»، منتقدين صمت رئيس البرلمان علي لاريجاني إزاء «المسّ بكرامتهم» والتشكيك في مؤهلاتهم القانونية وشهاداتهم الجامعية، كما حاول لاريجاني إنهاء النقاش وتهدئة الأجواء، لكن نواباً رفضوا ذلك، مصرّين علي إعلان رأيهم في ما قاله نجاد. وانطلق لاريجاني في موقفه إزاء كلام نجاد، من النظام الداخلي للبرلمان الذي لا يرتّب تأثيراً قانونياً علي المساءلة، عكس الاستجواب الذي ينتهي بطرح الثقة، وفق سياقات قانونية لا تتوافر في المساءلة. لكن اللافت أن نجاد لم يجب عن كلّ الأسئلة، بل حاول الالتفاف علي بعضها، والقفز علي بعض آخر، إلا أنه وقع في مطب آخر، إذ رأى النواب في كلامه «إهانة» لهم، ما أحدث ردود فعل انعكست حتي علي أنصاره في البرلمان. المساءلة والانتخابات وقلّل نجاد من أهمية مساءلته، معتبراً ذلك حقاً للبرلمان، وأضاف: «كنت مستعداً للردّ على أسئلة، قبل الانتخابات (النيابية الأخيرة)، لكنني رأيت أن ذلك قد يؤثر في نتائجها، بحيث تُلقى المسؤولية عليّ، إذ أنني أسهل من يمكن إلقاء اللوم عليه». ونفى نجاد اعتكافه، احتجاجاً على إعادة مصلحي، معتبراً أن ذلك «لا ينسجم مع أخلاقه»، وقال: «نجاد في المنزل يستريح. طلب مني بعض أصدقائي مراراً أن أستريح. في هذه الحكومة، لم يتوقف العمل ولو ليوم واحد». لكن النائب جواد جهانجير زاده أكد أن نواباً ذهبوا إلي منزل الرئيس، لإقناعه بممارسة مهماته مجدداً. واعتبر نجاد أن «أسوأ القيود فُرضت على الحكومة، مثل العقوبات الاقتصادية والأزمة العالمية. لكن كل العالم، أصدقاء الحكومة وأعداءها، أقروا بأننا تصرفنا في شكل ممتاز». وأكد أن السياسة الاقتصادية للحكومة ليست مسؤولة عن التضخم وتراجع قيمة الريال في مقابل الدولار. وأنهى نجاد خطابه، قائلاً: «من أجل توفير عشاء ليلة آخر السنة (الإيرانية) للمواطنين، جئت لأجيب علي أسئلة الامتحان التي وضعتموها لي، ولم تكن صعبة، وأعتقد بأن من وضعها لم يحصل علي شهادة الليسانس في شكل مشروع. ولو استشرتموني، لساعدتكم في طرح أسئلة أفضل. أجبت علي جميع الأسئلة، والآن إذا منحتموني علامة أقل من 20 (على 20)، فهذا هو عين الغبن والجبن». وأثار ذلك غضب نواب، طالبوا برد علي خطابه. «ممازحة النواب» وكان لافتاً أن نجاد قال تكراراً إنه «يريد ممازحة النواب، عشية عيد النوروز»، قبل أن يجيب علي أسئلتهم، ما اعتبره نواب «استهزاءً بهم»، وجعل النائب علي أصغر زارعي، المؤيد للرئيس، يعارض أجوبة نجاد، لكنه اعتبر أن «الأسئلة مطروحة منذ سنة، وعندما تُطرح الآن، تكون النتيجة كما شاهدناه»، ودعا إلي إغلاق هذا الملف. واعتبر النائب عباس علي نورا أن نجاد «تطرّق إلي قضايا خارج إطار الأسئلة المطروحة، واتهم نواباً بمخالفة القانون وأهاننا»، مضيفاً: «نلت شهادة الدكتوراه، قبل أن يحصل نجاد علي شهادة الليسانس». وتساءل: «هل مقبول أن يشكك الرئيس في مهمة مجلس صيانة الدستور والقضاء ومجلس تشخيص مصلحة النظام؟ ألا يجب أن يردّ رئيس البرلمان علي خطاب نجاد؟». واعتبر أن «خطاب نجاد يشير في وضوح إلي أن القضاء وسائر المؤسسات لا تهتم بالعدالة، وأنه الوحيد الذي يطبقها». وانتقد النائب أمير حسين قاضي زادة، عضو قائمة «جبهة استقامة الثورة الإسلامية» المؤيدة لنجاد، الأدبيات التي استخدمها الأخير، معتبراً أن «خطابه لا يخلو من تبعات، لكن لا أستطيع التكهن بما سيحدث مستقبلاً». واستبعد لجوء النواب إلي استجواب نجاد، على رغم حدوث تجاذب بعد إنهاء الأخير خطابه، إذ طلب 10 نواب الردّ عليه، بعدما اعتبرت غالبية النواب أن نجاد لم يجب عن أسئلتهم، لكن لاريجاني حاول تهدئتهم. أما النائب الإصلاحي محمد رضا خباز فوجّه انتقاداً لاذعاً لخطاب نجاد، معتبراً أن الأخير «لا يحق له إهانة النواب، وتوقعتُ رد فعل من رئيس البرلمان، لكنه لم يفعل». وشدد على أن البرلمان «ليس مكاناً لتبادل نكات». وطلب من رئاسة المجلس إصدار بيان، دفاعاً عن حقوق البرلمان. ورأى النائب محمد تقي رهبر أن «ردود نجاد على استجوابات النواب، كانت غير منطقية وغير قانونية، وبدت محاولة لتفادي الرد عليها. نجاد هزئ، بنبرته الساخرة، بأسئلة النواب وأهان البرلمان». واعتبر النائب مصطفى رضا حسيني أن «لهجة الرئيس كانت مهينة، خلال خطابه بأكمله. وتفادى الإجابة على الأسئلة»، فيما قال النائب الإصلاحي مصطفى كواكبيان: «الرئيس لم يقدم أي إجابات منطقية، وأخذ كل شيء بصفته مزحة». وأشارت مصادر إلى أن نواباً مؤيدين لنجاد حاولوا التغيّب من جلسة البرلمان أمس، لإسقاط النصاب القانوني، بعد فشلهم في إلغاء مساءلته، لكنهم عدلوا عن ذلك وحضروا الجلسة، من دون أن يعترضوا علي خطاب الرئيس.