عرض أصحاب أبراج المكاتب الفاخرة في «منهاتن،» في سابقة من نوعها، حسومات بالغة الإغراء لاجتذاب المستأجرين، إلا أن سوق العقار التجاري الأميركي الذي تخلى مؤشر أسعاره عن جزء لا بأس به من مكاسب قياسية حققها في الطفرة العقارية التي شهدتها السنوات القليلة الماضية، يخشى من أن الأسوأ لم يأتِ بعد، بل لا يتوقع رؤية بداية انتعاش من أي نوع قبل الفصل الثالث أو الرابع من 2010. وكشف «اتحاد مصرفيي الرهن العقاري» الذي يضم في عضويته الآلاف من المؤسسات الأميركية الناشطة في التمويل العقاري بما فيها المصارف التجارية وشركات الادخار والتأمين، أن أصحاب أبراج مكاتب الفئة «أ» في منهاتن خفضوا حتى نهاية أيار (مايو) الماضي أسعار الإيجار 17 في المئة مقارنة مع مستوياتها في 2008 في محاولة لوقف التدهور المستمر في القطاع. وتعتبر أبراج منهاتن، جواهر تاج قطاع العقار التجاري الأميركي، هدفاً ثميناً للاستثمارات الأجنبية بخاصة في فترات الازدهار. ففي العامين الأخيرين من طفرة امتدت من بداية 2002 إلى نهاية 2007، استثمرت ثلاث مؤسسات خليجية، «هيئة أبو ظبي للاستثمار» و «استثمار» و «مجموعة دبي للاستثمار» 5.6 بليون دولار للاستحواذ على محفظة عقارية تجارية ضمت ثلاثة أبراج منها «عمارة كرايزلر» الشهيرة التي أنجزت صفقتها في تموز (يوليو) 2008. واستغلت «استثمار»، الشركة القابضة التي تملكها حكومة دبي، الساعات الأخيرة من فترة الطفرة العقارية (تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2007) لتبيع اثنين من الأبراج الثلاثة المملوكة لمؤسسات الاستثمار الإماراتية في منهاتن، محققة أرباحاً قدرت بنحو 600 مليون دولار، على رغم أن أسعار صفقات العقار التجاري الأميركي ونشاطها كانت دخلت فعلياً مساراً هابطاً لا يزال حتى الآن يبحث عن قاع. ووفقاً لمحللين في اتحاد مصرفيي الرهن العقاري، شكلت صفقة بيع البرجين (280 بارك آفينيو و230 بارك آفينيو) التي بلغت قيمتها 2.5 بليون دولار، واحدة من عشرات صفقات العقار التجاري التي أبرمت في الفصل الرابع من 2007 على اتساع أميركا، وتجاوزت حصيلتها 90 بليوناً. إلا أن هذه الحصيلة الضخمة كانت انخفضت بتسارع كبير ومفاجئ من 125.5 بليون دولار في الفصل الأول من العام ذاته. ولاحظ محللون أن نشاط الصفقات انهار إلى 43 بليون دولار في الفصل الأول من 2008 ثم إلى 8.9 بليون في الفصل الأول من 2009 حين بدأت مرحلة من الجمود لم يعهدها سوق العقار التجاري الأميركي منذ ركود بداية تسعينات القرن العشرين، لافتين إلى أن الكساد طاول أبراج المكاتب الفاخرة وأشكالاً أخرى من نشاط السوق خصوصاً العمارات السكنية التي تأتي في المرتبة الثانية في اهتمامات الاستثمارات الخليجية. وكان يمكن لانهيار الصفقات أن يأتي أقل حدة لولا المقاومة التي أبدتها أسعار العقار التجاري أمام كارثة «وول ستريت» وأزمتي الائتمان والاقتصاد اللتين أفرزتهما، ففي اثنين من أهم مؤشرات الأسعار، مؤشر «موديز» والمؤشر المستقل ل «المجلس الوطني للاستثمار العقاري» انخفضت أسعار العقار التجاري بين 13 و26 في المئة بين الذروة التي بلغتها نهاية 2007 إلى نهاية العام الماضي بعدما كانت ارتفعت 90 في المئة منذ بداية 2002. ويحاول أصحاب الأبراج مواجهة تحديات الركود الاقتصادي وأزمة البطالة المتمثلة في تراجع الطلب على المكاتب، بعرض حسومات شديدة الإغراء للاحتفاظ بالمستأجرين أو لاجتذاب عملاء جدد، إذ أشار «المجلس العقاري لمدينة نيويورك» إلى أن الإيجارات المعروضة انخفضت بنسب راوحت بين 6 و22 في المئة في منهاتن في المتوسط لكنها وصلت إلى 33 في المئة في مناطق رئيسة من حي المال في منهاتن السفلى. وأنعش تباطؤ وتيرة فقدان الوظائف في شهري نيسان (أبريل) وأيار الماضيين الآمال بنهاية قريبة للركود الاقتصادي ومعه تحديات العقار التجاري، لكن خبراء السوق أجمعوا في استطلاع أجرته مؤسسة «ريل كابيتال آناليتكس» المتخصصة بالاستثمار العقاري، على أن هذه الآمال انهارت بعد التسارع المفاجئ الذي رصدته وزارة العمل في تقرير عن حزيران (يونيو). وأبدى معظم الخبراء خشيته من أن استمرار تعرض سوق الوظائف إلى ضغوط شديدة على رغم ارتفاع خسائرها إلى 6.5 مليون وظيفة منذ بداية الركود رسمياً في كانون الأول من 2007، لا يعتبر مؤشراً قوياً على أن سوق العقار التجاري الأميركي لم تبلغ القاع بعد، بل أن فرص الانتعاش قد لا تتحقق قبل الفصل الثالث أو الرابع من السنة المقبلة.