فاجأ رئيس حزب «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» الجزائري المعارض، سعيد سعدي، إطارات حزبه بإعلان تنحيه من رئاسته وعدم ترشحه لولاية جديدة، وذلك بعد أيام فقط من قرار الحزب مقاطعة الإنتخابات التشريعية في أيار (مايو) المقبل. وتُرشّح أوساط سياسية القيادي محسن بلعباس لخلافة سعدي الذي رأس الحزب العلماني لأكثر من عقدين كاملين. وشكّل إعلان الدكتور سعدي تنحيه من رئاسة «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» انسحابه من رئاسة الحزب بعد 22 سنة من توليه مسؤولية القيادة مفاجأة لكثيرين من إطارات حزبه. وهو أكّد في المؤتمر الرابع ل «التجمع» في الجزائر، أمس الجمعة، أن الانتخابات التشريعية المقررة في 10 أيار (مايو) المقبل ستكون «مزوّرة» بإرادة من السلطة، على رغم الحضور المكثف المتوقع لمراقبين أجانب. وأكدت السلطات الجزائرية في أكثر من مناسبة أنها ملتزمة تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وقال سعدي في كلمته أمام المؤتمر إن «الأوان قد حان لفسح المجال للشباب» كي يتولوا المسؤوليات القيادية. وحمّل حزب جبهة التحرير الوطني، صاحب الغالبية البرلمانية، المسؤولية عن الأوضاع المتردّية التي يعيشها الجزائريون منذ 1962، تاريخ استقلال البلاد. وقال: «أعلن قراري بعدم الترشح لرئاسة التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية. لقد فكّرت طويلاً، وأنا أفتح المجال لبقية الأعضاء. لقد حان الوقت للخبرات التي كُوّنت في الحزب أن تعبّر عن رأيها وتخدمه». وأضاف: «بالطبع سأبقى مناضلاً في الحزب لأنني أعتقد أن ليس من الحق أن نطالب بالحرية والعدالة في حين نتبرأ من المشاركة الشخصية في النضال من أجل الديموقراطية». وقاد سعدي محاولات العام الماضي لإطلاق مسيرات كبيرة تُطالب ب «إسقاط النظام»، ودرج ما بين شهري شباط (فبراير) وأيار (مايو) 2011 على الخروج برفقة أنصاره للتظاهر في «ساحة أول ماي» بوسط العاصمة الجزائرية. لكن مسيراته فشلت في جلب متعاطفين، من جهة، وقمعتها قوات الأمن، من جهة أخرى. وردد أنصار سعدي لمّا فاجأهم بإعلان عدم ترشحه هتافات غاضبة وصاحوا: «سعدي رئيس ... سعدي رئيس». لكنه أجابهم: «إذا كنا ندافع عن التداول على السلطة فقد وجب علينا أن نبدأ بأنفسنا». وأضاف أنه «حان الأوان لفسح المجال للشباب ... إن مبادئ التجمع ثابتة، وغير قابلة للتفاوض». وكرر أنه «سيبقى مناضلاً في التجمع». وكانت أحزاب جزائرية معارضة لسعدي روّجت تهمة ضده أنه «ديكتاتور» كونه أسس «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» عام 1989 وبقي على رأسه حتى اليوم، غير مفسح في المجال أمام غيره كي يتولى المسؤوليات الحزبية في وقت يتهم المسؤولين الجزائريين بأنهم يرفضون التداول على السلطة. ووصف سعدي الأوضاع في الجزائر بأنها هي نفسها مثلما كانت عام 1991، «قبلها وبعدها»، في إشارة منه إلى التوتر الذي سبق انتخابات ذلك العام والتوتر الذي تبع إلغاءها بعدما فاز فيها إسلاميو «جبهة الإنقاذ» المحظورة. ويفترض أن تعلن القيادة الجديدة للحزب اليوم، حيث يواصل «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» مؤتمره الرابع الذي سينبثق عنه مكتب ومجلس وطني جديدان ينتخبان خليفة لسعدي. ويُطرح في هذا المجال إسم محسن بلعباس القيادي المكلف ملف الإعلام في المكتب الوطني السابق. ويبدو بلعباس صاحب طرح أكثر قبولاً من النخب المعتدلة، بعدما نُسب سعدي لمعسكر النخب الفرونكوفيلية العلمانية. تأييد بريطاني للإصلاحات أجرى وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية المكلّف ملف الشرق الأوسط وشمال افريقيا أليستر بيرت والوزير الجزائري المنتدب المكلّف الشؤون الافريقية عبدالقادر مساهل محادثات في لندن يومي 8 و9 آذار (مارس) الجاري على هامش الاجتماع السنوي السادس لكبار مسؤولي البلدين. وقابل مساهل أيضاً الوزير في الخارجية البريطانية اللورد هاول. وقال بيرت في تصريحات إلى الصحافيين: «لقد ساعدت هذه المحادثات في تعزيز علاقاتنا الثنائية القوية أصلاً». واضاف: «يعمل بلدانا عن قرب معاً في شأن ملفات مختلفة. إن علاقاتنا الاقتصادية جيدة وتنمو بسرعة. والصادرات البريطانية الى الجزائر ازدادت 60 في المئة العام الماضي، ونحن نتطلع إلى زيادتها في شكل أكبر». واضاف بيرت: «علاقاتنا السياسية قوية أيضاً (...) إننا نأمل أن التجربة التي تملكها المملكة المتحدة يمكن أن تساعد الحكومة الجزائرية وهي تسعى إلى توسيع مجال الإصلاحات السياسية. وفي هذا المجال، أرحّب بقرار الجزائر دعوة مراقبين للانتخابات لمراقبة الاقتراع المقبل. إن المملكة المتحدة تدعم ذلك كما تدعم كل الجهود لتحسين التمثيل السياسي وحقوق الإنسان في الجزائر». وتابع: «إننا نواصل العمل عن قرب معاً للتصدي للتهديد الذي يمثّله الإرهاب في منطقة الساحل. لقد أبلغت الوزير مساهل إنني مستمر في دعمي القوي لموقف الحكومة الجزائرية الرافض دفع فديات مالية لمجموعات إرهابية». وقال بيرت إن المحادثات تناولت أيضاً الوضع في سورية، مؤكداً دعم بلاده لجهود الجامعة العربية من أجل بدء عملية انتقال سياسية تُنهي نزف الدماء. كما أعرب عن أمله في تواصل التقارب الجزائري - المغربي وإعادة إحياء الاتحاد المغاربي. وقال: «إنني آمل أيضاً في حل يمكن إيجاده لوضع الصحراء الغربية يحترم حقوق شعبها في تقرير المصير». أما مساهل فأكد بدوره «عمق العلاقات» الجزائرية - البريطانية. وأضاف: «كان هذا اللقاء فرصة ممتازة لإبقاء الحكومة البريطانية على إطلاع على الإصلاحات السياسية التي بدأت في الجزائر، وعلى التجربة الديموقراطية التي تتعزز، إضافة إلى بحث قضايا إقليمية ودولية، مثل سورية والشرق الأوسط والصحراء الغربية».