تحيط بهم جدران شقة متهالكة، حبسوا أنفسهم فيها على رغم ضيقها وجدرانها المتشققة، فهي على الأقل أفضل من التشرد. امتلأت عيونهم حزناً وقلوبهم رعباً، فيما يمضي يومهم ينتظرون ما يأتي به والدهم «الحمال» بعد عناء يوم طويل. ما زالت عظامهم لينة وأجسادهم نحيلة، إلا أن شظف العيش ومرارة البؤس يزيدانهم ضعفاً، والمؤلم أن يكون مستقبلهم أشد بؤساً. لم تشأ «أم سعيد» استقبال «الحياة» في شقتها المتواضعة، ففضلت انتظارنا على السلم المؤدي إلى شقتها. هناك جلست مع أبنائها لاستقبالي، حتى تسرد معاناتها ومعاناة ثمانية أطفال بلا هوية وبلا حقيبة مدرسية، تزحف أعمارهم إلى سن الرشد بلا تعليم. لم تنتظر أم سعيد، فبادرت متسائلة: «ما مصير هؤلاء بعد سنوات؟ ما المستقبل الذي ينتظرهم وهم بلا تعليم؟»، مضيفة: «كل ما لدي في الدنيا شهادة ميلاد فقط لا غير، نحن لا نملك هوية، وهو ما فرض على أبنائي الجلوس في المنزل بلا تعليم، فالمدارس لم تقبلهم ولا نعلم ماذا نفعل». وتوضح: «زوجي يحاول أن يفعل ما في وسعه حتى نعيش بسلام، لكنه بالكاد يستطيع توفير الخبز والقليل من المستلزمات الضرورية، وما ينقصنا فإن أهل الخير بين الفينة والأخرى يطلون علينا ويعطوننا المقسوم»، لافتة إلى أن أكثر ما يقلقها أن أكبر أبنائها بلغ سن ال17 بلا تعليم، «سيكون وضعه سيئاً إذا لم يتعلم، تخيلوا أن يكون هذا هو مستقبل إخوته أيضاً». وتتابع: «حاولنا إدخال أطفالنا في مدارس تحفيظ قرآن، لكنهم أيضاً أصروا على وجود الهوية، أما المدارس الخاصة فهي تطلب 800 ريال للفرد، وهو مبلغ نعجز عن توفيره». لم تسلم أسرة أم سعيد من كارثة سيول جدة، «كنّا نضع بعض أغراضنا الضرورية في سلم المنزل لضيق الشقة، وفقدناها بفعل السيول، وكدنا نغرق لولا لطف الله، ويعلم الله كيف كان وضعنا في الأيام التي تلت الكارثة، إذ مرت علينا أيام كنا نتضور جوعاً والخوف يكاد يقتلنا»، مشيرة إلى أن المشرفين في اللجنة على أضرار السيول لم يقدموا لهم أي شيء كونهم بلا هوية. وتتمنى أم سعيد من الجهات الحكومية النظر بعين العطف إلى وضع أطفالها، آملة أن يحظوا بمقاعد في المدارس تكفل لهم مستقبلاً أفضل، كما تنتظر من فاعلي الخير مساعدتهم في توفير مصدر دخل يستغنون من خلاله عن الاعتماد على الآخرين.